ذكريات القراءة/بقلم الكاتب/صهيب طلال إنطكلي.
ذكرياتُ القراءة
إن الذين كتبوا عن فوائدِ القراءة كُثُر، وهي كذلك والله، ولكني أرغبُ في هذا الليل البهيم أن أعبر "بتشديد الباء وكسرها أو بضمها فحسب"، فكلاهما صحيح، أود أن أعبر عن نفحاتٍ لمستُها بروحي تراودكَ عندما تكون متلبساً وأنت تقرأ، نعم، هناك أشياء تشعرُ بها، تتحسسها، تملؤكَ بالشعور الجميل العصيّ على التفسير، فترى نفسكَ تشبه الشمسَ، تشرقُ في يومٍ ربيعي بديع، نعم، ... لطالما كان اكتسابُ دأَبِ القراءة يشبه السهل الممتنع، هل تدرك يا قارئي كيف يكون الأمرُ سهلاً ولكنه يمتنع عنك؟! هذا هو ... وإليك تجربتي شديدة التواضع، كنت منذ أن رجعتُ إلى الدراسة أحب أن أقرأ بصوت مسموع، أُسمع روحي نغمةَ الكلمات، نعم، أنا مدرك تماماً أنّ أصحاب نظريات القراءة السريعة لا يروق لهم إنسانٌ هادئ مثلي، يقرأ وكأنما يهدهد الكلمات ويرتلها، ولكن والشيءُ بالشيء يُذكر وليس دفاعاً عن روحي، فإن القراءة الهادئة المتأنية للقرآن الكريم هي التي عليها المدار، وعندما سُئل ابن القيم عن رأيه بالقراءة المتأنية المتدبرة قال ما معناه أنها تشبه أنْ يتصدق المرءُ بشيءٍ نفيس، غالٍ جدًّا،... إن الذين يتدبرون القرآن خيرٌ وأحبّ من الذين يقرؤون فحسب، وفي كلًّ خير، ... نعود إلى الذكرى، كنت أرغب بالقراءة المسموعة، ربما كان أحد أسباب ذلك التشتت الذي يعانيه عقلي أبداً، فالقراءة المتأنية المسموعة كانت تساعدني على التذوق والتركيز، فكنت أختار ركنًا قصيًا في الحديقة لأدرس فيه، أُسمِع الأشجار والنباتات والحشرات والطيور حولي طعمَ موادي الجامعية، مرّةً أسمعها النقدَ، ومرّة الشعر الأموي، ومرةً النحو ومرات ومرات الكثير من الأدب والتحليل، ولكن الشعور الذي كان يأتيني حينها لم يعد يأتيني بعد ذلك، فبعد أن تبدأ بالقراءة تتعمق في المعاني ويعلو التركيز شيئاً فشيئاً، ثم الشجر يضفي لمسته والورق اليابس على الأرض، والعصافير التي تمرح بلا توقف، كل ذلك يشكل في روحك شعور القراءة، نعم، شعوراً غريباً ممتعاً... لم يعد هذا الشعور، منذ أن غاب تلك السنين، أصبحتِ الحديقة من الماضي، والركن القصيُّ فيها يختبأ في أقاصي الروح، والقراءة حينها أصبحت معنى جميل، ذكرى، موعظة، تشبه الجمال، ذاك السهل، الممتنع...
الواحدة بعد منتصف الليل
بقلم /صهيب طلال إنطكلي
تعليقات
إرسال تعليق