الصَّمْتُ الْمُحْزِن والصَّمْتُ الْمُشْمِسُ
الشاعر لطفي منصور
يكتب
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
أ.د. لطفي منصور
خاطِرَةٌ:
الصَّمْتُ الْمُحْزِن والصَّمْتُ الْمُشْمِسُ:
لَقَدْ شَدَّ انتِباهي عِبارَةٌ شاهدْتُها عَلَى صَفَحاتِ التَّواصُلِ ، أوْحَتْ إلَيَّ كتابَةَ هذهِ الخاطِرَةِ، وَهِيَ
“صَمْتي حِكايَةُ حُزْنٍ”، فَقُلْتُ:
أنْ يَصْمُتَ الإنْسانُ صَمْتًا مُطْبِقًا عَنْ أَمْرٍ ما، أَوْ حَدَثٍ قَدْ وَقَعَ، لَهُ أسبابُهُ في النَّفسِ، وَهِيَ مُتَعَدِّّدَةٌ، وَمِنْها الخَوْفُ مِنَ الْبَوح بِالْمُشْكِلَةِ أو السَّبَبِ، تَجَنُّبًا لِتَفاقُمِ الخَطْبِ.
نَحْنُ لَسْنا بِصَدَدِ سِرٍّ وَكِتْمانِهِ، فهذا مَنْ نُبْلِ الأخْلاقِ، وَقُوَّةِ العَزيمَةِ، وَحُسْنِ التَّرْبِيَةِ، وَقُوَّةِ الشَّخْصِيَّةِ. لَكِنْ ما أعنيهِ هو الصَّمْتُ المُحْزِنُ، لا لَعَزيزٍ فَقَدَناهُ فهذا طَبيعيٌّ في الإنْسانِ أنْ يَصْمُتَ لِيَتَذَكَّرَ أَحْبابَهُ وَخِلّانَه والحياةَ والموْتَ المَكْتوبَيْنِ عَلَى كُلِّ حَيٍّ، شِئْنا أو أَبَيْنا.
ما أعنيه بالصَّمْتِ الْمُحْزَنِ ، ذَلِكَ الصَّمْتَ عَلَى القَهْرِ والظُّلْمِ والضَّيْمِ والبَغْيِ، وَالِاسْتِبْدادِ بالرَّأْيِ، وَفَرْضُهُ عَلَى الجانِبِ الضَّعيف، إنْ كانَ في العائِلَةِ كَاستِبْدادِ الزَّوْجِ أوِ الأَبِ بِحَقِّ الزَّوجَةِ أوِ الأطْفال، أوِ الاحْتِلالِ، أوِ النُّظُمِ المستَبِدَّةِ القامِعَةِ لِشُعوبِها، حينَئِذٍ يكونُ الصَّمْتُ مُؤذِيًا لِلنَّفْسِ والعَقلِ والمشاعِرِ.
فالصَّمْتُ هُنا يُصْبِحُ كَبْتًا وَقَهْرًا، فَيَصْمُتُ الضَّعيفُ عَلَى ما نالَ الْقَوِيُّ مِنْ حُرِّيَّتِهِ وَكَرامتِهِ، فَيُصْبِحُ لا قَرارَ لَهُ، وَلا إرادَةَ وَقَدِ انسحَقَتْ شَخْصِيَّتُهُ بِهاوَنِ الْمُسْتَبِدِّ العاتِي، فَيَصْمِتُ عَلَى هُونٍ ، بينَما في داخِلِهِ مِرْجَلٌ يَغْلِي، أَوْ بُرْكانٌ يَكادُ يَقْذِفُ الْحِمَمَ، لَكِنَّهُ سَرْعانَ ما يُخْمِدُهُ بِالكَبْتِ والصَّمْتِ الْمُحْزِنِ ، فَيَنْقَلِبُ الضَّعيفُ إلَى كَظيمَةٍ خارِجُها بارِدٌ وداخِلُها يَغْلِي وَيَضْطَرِبْ.
أَمَّا الصَّمْتُ الْمُشْمِسُ أوِ السُّكونُ المُشْمِسٌ فهوَ مُصْطَلَحٌ في فَنِّ الرِّوايَةِ. وَهُوَ مَسْلَكٌ إيجابِيٌّ جِدًّا.
فَهوَ صَمْتٌ لِلتَّفْكيرِ العَمِيقِ، يُنيرُ الْعَقْلَ والْقَلْبَ والْفِكْرَ والمَشاعِرَ وَيُبَدِّدُ ظُلمَتَها، تَمامًا كَما تُنيرُ الشَّمْسُ دَياجيرَ الظَّلام.
فَالصَّمْتُ الْمُشْمِسُ مُنتِجٌ وَمُريحٌ لِلْفِكْرِ والأعصابِ. وَإنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ بَعْضِهم كيفَ يَقْرَأونَ وَيَكْتُبونَ عَلَى صَوْتِ الْمِذْياعِ أوِ التِّلْفازِ، أو ضَجَّةِ الصِّبْيَةِ اللّاعِبينَ.
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
تعليقات
إرسال تعليق