الشاعر/د.صبري غانم ...يكتب...معونة الشتاء...

 معونة الشتاء 


صوت المطر في سكون الليل فوق سقف منزلنا الخشبي في ليالي الشتاء الباردة  الطويلة تعطي موسيقى رائعة تشبة لحنا جميلا رائعا. 

أشعر بالبرد يخترق اللحاف الخفيف الذي يغطيني و يصل إلى عظامي . 

برغم الألم و البرد أستمتع بوقع المطر و هو يزيد و يعلو مع صوت الرياح و هي تعصف بشبابيك منزلنا ؛ يتخللها صوت رعد هادر يسبقه ضوء برق خاطف . 

سكن المطر الآن و علا صوت مزاريب الماء و هي تصرف ما تبقى من مياه فوق الأسطح 

يجافيني النوم دائما وقت سقوط المطر ؛ أشعر بأني في حفلة موسيقية في الأوبرا و يجب علي أن لا أضيع لحظة منها 

يصعد أبي فوق سطح المنزل ليدفع الماء الراكد فوق السطح ناحية المزراب و تأتي أمي لتطمئن علينا " أنا و أخوتي " و ترانا وقد انكمشنا في الفراش و التصقت أجسادنا ببعضها بحثا عن الدفء ؛ تضع بعض الأواني ليتجمع فيها ما ينزل من السقف من نقط الماء 

أنام  بعد توقف المطر لأصحو في السابعة صباحا لأذهب إلى المدرسة الابتدائية بعيون حمراء مرهقة وجسد هزيل مرتعش . 

يدخل المدرس الفصل  و بيده أوراق لامعة تشبه طوابع البريد أول مرة أراها

يتحدث المدرس عن فصل الشتاء و أن هناك الكثير من الفقراء بلا مأوى أو ثياب أو بطاطين بينما المطر يهطل في الخارج و بعض التلاميذ يرتعشون من شدة البرد نظرا لملابسهم الخفيفة و أنا واحد منهم

يشكر المدرس الحكومة التي لا تنسى أبناءها الفقراء و تمد لهم يد العون 

ثم يقوم بتوزيع الورق اللامع علينا و يطلب من كل تلميذ جنيها مقابل تلك الورقة اللامعة 

أخرج كل طفل جنيها ؛ هو في الغالب مصروفه ؛ و أعطاه للمدرس . و هذا يعني أنه سيحرم اليوم من شراء حلوى العسل " عسلية "

بقيت أنا و طفل آخر ليس معنا ما ندفعه نظير تلك الورقة اللامعة 

أخرج المدرس  الطفل ليحضر جنيها من منزله ؛ عاد بعد قليل بثياب مبللة و جسد نحيف يرتعش و قال أن أمه ليس معها جنيها 

فأخرجه المدرس مرة أخرى ليعود بعد فترة مطبقا بأصابعه الزرقاء  على جنيه تبللت أطرافه ؛ و أخبرنا أن أمه استدانته من الجيران 

أما أنا فدفع زميل في الفصل الجنيه عني على سبيل الدين ؛  على أن أحضره في اليوم التالي

عندما عدت إلى المنزل و أخبرت  أمي عنفتني بشدة و قضيت طيلة النهار و يدها على خدها حزينة تفكر ماذا سنفعل ؟ و من أين نأتي بالجنيه؟  فليس لديها بالمنزل ما يمكن بيعه 

في المساء قام والدي بضربي ؛ و قال : نحن من يستحق هذه المعونة 

في اليوم الأول ذهبت إلى المدرسة و أخبرت زميلي صاحب الجنيه بأني  نسيت أن أحضر له ماله  

في اليوم الثاني لم أذهب للمدرسة بحجة المرض حتى لا أقابل زميلي صاحب الجنيه  

في اليوم الثالث رجعت إلى المدرسة و رددت الجنيه لزميلي بعد أن باعت أمي عددا من البيض من دجاجات تربيها فوق السطح . 

د صبري غانم


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من يكتب لي صدر/بقلم الشاعر /محمود حفظ الله.

عجائب الدنيا /بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.

كوكبة الشهداء/بقلم الكاتب /مايك سلمان.