استبعاد.. بقلم الكاتب.. الهادي نصيرة.
استبعاد | قصة قصيرة
بقلم الهادي نصيرة
نودي على بهاء لاستنطاقه، على إثر جريمة القتل، التي استهدفت صهره السيد مراد، بينما جلست السيدة أسرار، زوجة القتيل، وابنتها مرام، أمام مكتب قاضي التحقيق، في انتظار المساءلة ..
_ بهاء، ما الذي تعرفه عن طباع صهرك المرحوم مراد؟
_ الكل يعرف عنه، أنه رجل حاد الطباع.. لست قادرا على أن أصف شدة قسوته، وظلمه للآخرين..لم يكن يُراعي العلاقات الإنسانية..
لا يعترف بقيم الحب، والمودة، والرأفة، والتواضع، والتعاون.. يدوس عليها بكل عنجهية، غير عابئ بذلك مطلقا..
_ تبدو متحاملا عليه. هل كانت بينك وبينه عداوة؟
_لم يكن السيد مراد يرتاح لأحد.. كان ينظر إلى الحياة على أنها رحلة نعيش أطوارها كيفما اتفق .. لقد لفت انتباهي أنه كان لا يحفل بمن يتغيب من أفراد العائلة عن المنزل، مهما طالت مدة غيابه..
_ وكيف ترى علاقته بزوجته السيدة أسرار؟
_ الحقيقة، زوجته كانت تلازمه حتى في سفره، لا تغيب عنه لحظة واحدة ، كان يبدوان متحابين، يجمع بينهما الانسجام.. يترافقان، أحيانا، في الخروج للمنتزهات، فصحة السيد مراد لم تعد جيدة، وصار لديه ضيق في الصدر، و هو ما يتطلب الترويح عن النفس، بعيدا عن ضغط العمل ..
وقفت مرام من مكانها، استعدادا للإدلاء بأقوالها..
_ آنسة مرام، كيف كانت علاقة أبيك بعمك؟ هل صحيح أنها لم تكن على ما يرام، منذ سنوات، بسبب مشكلة الميراث؟
_ علاقة أبي، بأغلب أقاربه، كانت لا تخلو من التوتر، والتنافر المستمرين..
_ سبق وأن حاولت الانتحار. ما الذي دفعك إلى ذلك ؟
_ لقد تدهورت حالتي النفسية، سئمت حياتي التي بدت لي بلا طعم، ولا رائحة.. لم أر في، الحياة العائلية، أي بصيص لبهجة تضيء أيامنا، وليالينا، التي خلا إيقاعها من كل أثر للمسرة، والفرح.. كانت تمر علينا أوقات حالكة السواد، يدهسنا فيها القلق، وتطحننا الكآبة..
لا أدري كيف تم إنقاذي، في آخر لحظة، قبل الرحيل عن هاته الدنيا البائسة...
_ ألهذا الحد وصل بك التشاؤم يا مرام ؟
_ تشاؤم له مايبرره.. كنا تحت سطوة أب لا يرحم ..لا يتوقف عن طعناته لي، ولأمي، سبا، وشتما، بأفظع النعوت..كل ذلك أوصلني إلى انهيار عصبي حاد، والتردد على مصحة للعلاج النفسي .. أما أمي ، فقد كنت أراها، دائما، تحت تأثير الصدمات المتتالية، غارقة في الصمت.. تطوقها العزلة.. تصارع أحزانها المطردة .. يسحبها الشرود، فيغيب ذهنها عن كل ما يحيط بها....لا أحد باستطاعته تصور حجم ما تعانيه تلك المرأة الجلودة..
لقد تحملت ما تحملته جبال رواس.. بقينا، هكذا، في انتظار تغير الوضع، لكن...
_ لا شيء تغير؟
_ لا شيء، مع الأسف ..كنا نأمل في أن تهب علينا نسمات انفراج ، لترتاح الأنفس، وتنفض عنها غبار الجوى، لكن هيهات..
_ طيب، آنسة مرام، أنت ما تزالين على ذمة التحقيق، قد تتم دعوتك لاحقا..
بدت السيدة أسرار صابرة أمام مصابها، متماسكة، تواجه تلك الكارثة بأعصاب من حديد..
_ تفضلي بالجلوس سيدة أسرار ! هل صحيح أنكم لم تكونوا سعداء، في وسطكم العائلي، على الرغم من رغد عيشكم، وحياتكم المترفة؟
_ أكون مخطئة إذا قلت لكم، حضرة المحقق، أن السعادة كانت ترفرف في سماء بيتنا، وأننا كنا بمنأى عن الاضطراب وفوضى العلاقات.. كان ثمة مناخ ، غالبا ما تسوده القسوة في التعامل، وتهيمن عليه الفظاظة، واللامبالاة..
_في ظل هاته المعاناة، وهذا التشنج، والسلوك المتسم بعدم الاكتراث، وغياب الاستقرار النفسي، هل حاولتم إيجاد حل لإيقاف ذلك النزيف ؟
_ كان ثمة حل وحيد..
_ ما هو ؟
_ إزاحة زوجي من الوجود. وهذا ما فعلت..
_ عفوا، ماذا قلت سيدة أسرار ؟!
_ قلت ما تسمعون حضرة المحقق.
تعليقات
إرسال تعليق