وعود كاذبة/بقلم الكاتبة /إلهام محمد.

 وعود كاذبة


جالسة أمام نافذة غرفتها تراقب خارجا المارة كعادتها ،تذكرت  أنه اليوم ستكمل سنتها الأولى من  العد التنازلي لنجاحها ، ففي مثل هذا اليوم أصبحت شبحا يطوف في أروقة منزلها ، أحست بنزيف قلبها وهي تسترجع كل ماضيها، إحساس الفراغ  ينتابها  وشعور أنها مكبلة حتى أخمص قدميها يتملكها. سالت دمعة على خذها  وتلاها سيل من الدموع  ،كأن بركانا انفجر  وأحرق ذاتها .... انهارت  واستلقت على سريرها  تحدث نفسها  "ماذا دهاكِ يا راقية ،سنة عجاف مرت وأنتِ جسد بلا روح ....؟كيف  كنتِ نبراسا يحتذى به وأصبحت ظلاما ....؟ أضعيفة أنتِ إلى هذا الحد ؟؟؟ ......أمجرد  عثرة هزمت إرادتكِ   .. "؟ واسترسلت في تساؤلاتها باكية وبصوت تشوبه الهستيرية أكملت "هيا يا راقية ما عهدتكِ هكذا قومي  من مكانكِ وارأفي بنفسكِ وعاودي التسلق من جديد ، هيا .... هيا انهضي الآن.... فمازال لديكِ الوقت للمُضي إلى الأمام....  "

قفزت من سريرها وبخطى ثابتة مثقلة بالهموم  جلست أمام حاسوبها تحدق به كأنها تراه لأول مرة، في أعماقها صدى صوت يصرخ  ويحثها "إن لم يكن الآن لن يكون أبدا غدا....." كفكفت دموع مقلتيها وأشعلت حاسوبها وبدأت بتحرير سيرتها الذاتية  فهي من الآن ستبحث عن عمل يخرجها من عالمها المظلم ...

 مع الأيام عادت لراقية تلك الابتسامة المشرقة والروح القتالية ،عادت لها طاقتها الإيجابية و في قرارة نفسها تحمد الله على تخطيها تلك الصعوبات وذاك الفشل المريع الذي كاد أن يقتلها....

ذات يوم وبالصدفة اتصلت بها أحد معارفها تخبرها أن محلا تجاريا يطلب عاملة بدوام كامل ،فرحت راقية واستقلت الحافلة لعين المكان وقابلت المسؤول الذي أعجب بذكائها  وإشراقتها  وعَيَّنها كبائعة لديه ووعدها قائلا"إن عملت جيدا سأزيد راتبكِ وأقوم بترقيتكِ لمنصب أحسن...."

 تغير راقية بدا يعطي ثماره ،سجلت نفسها في مدرسة خاصة  لتعيد تأهيل وبناء نفسها وتحقيق حلمها الذي طالما راودها. 

وظلت دؤوبة في عملها ودراستها وأضحت كل حياتها بين العمل والدراسة ،وبفضل ذلك الوجه البشوش ومعاملاتها الطيبة زادت موارد المحل بتكاثر زبائنه وأصبح الجميع يرتاده وله شهرة في المدينة ..."أحسنتِ يا راقية  وتأكدي أنه بمجرد افتتاح المتجر الجديد سأُعَيِّنكِ  مديرة " هذا ما وعدها به رئيسها ذات يوم.....

واستمرت على ذلك الحال بين عملها ودراستها التي أكملتها بتفوق كبير منتظرة في نفس الوقت ما وعدها به صاحب المحل بعدما تم افتتاح متجرين له بنجاح "ربما لم يحن الوقت للترقية.... أو ربما نسي وعده.... غدا إن شاء الله سأسأله عن ذلك" هذا ما أسرت به لنفسها وهي تقفل المتجر في ساعة جد متأخرة من الليل "

 وفي صباح الغد كعادتها كانت أول من يصل للمتجر وظلت تنتظر رئيسها  في ارتباك ولهفة لسؤاله.... وبمجرد أن رأته نبست بصوت خافت "هاهو آت الآن سأطلب محادثته "

استقبلته بعيون ضاحكة وعلى أهبة مكالمته قاطعها مخاطبا

" راقية  تعالي معي أريد أن أكلمك"

"آه يا ربي كأنه علم بما في نفسي  الحمدلله الحمدلله ..."

وتبعته وفرحة تعلو محياها ودقات قلبها متسارعة كأنها دقات طبول في كرنفال شعبي،وقفت أمامه ترقب ما سيقوله لها  "آسف راقية ستضطرين لمغادرتنا نهائيا" كلمات نزلت على مسمعها كالصاعقة وفي ذهول تام تمتمت "ماااااذا قلت ؟ آه سيدي إذن سألتحق بالمتجر الثاني شكرااا شكرااااا جزيلا"

"ألم تسمعي لقد قلت نهائيا فلم يعد عطاؤكِ يعجبني" 

شحب وجهها  واغرورقت عيناها وهي ترد عليه "ولكن سيدي لقد وعدتني وقسما بربي أني لم أخنك يوما وأني كنت أعمل وأكد بضمير  "  "سيدي أرجووووك ماذا فعلت ..؟" 

"قلت لكِ لم ي ع د عملكِ يروق لي ويقنعني هيا اجمعي أغراضكِ واذهبي من هنا"  "رجاء سيدي وسنوات خدمتي ومثابرتي هل ذهبت سدى ؟" وأخذت تبكي بحرقة بعدها دفعها خارجا وهو يشتم ويسب كأنها لم تعمل قط لديه أو أنها عابر سبيل يطلب صدقة منه.لم يسمع لتوسلاتها وأغلق باب مكتبه بعنف في وجهها.

لملمت المسكينة حاجياتها وخرجت باكية تتقاذفها الأفكار  وتتساءل عن ماهية ما يدور...وكأن الجنون مس عقلها النير  ظلت طوال طريقها تحدث نفسها وتردد " لقد أخلف وعده بعدما ارتقى بفضل عملي واجتهادي"يا إلهي ماذا أفعل ماذا أقول لأسرتي  يا إلهي....."

"ضاع عمري وضعت أنا.... آآآآه  خاااان العهد والوعد .... "

باكية، مصدومة لا تدري إلى أي اتجاه قادتها قدماها ولا تعي نظرات الناس إليها ولا أصوات الأمواج بعدها  فآلاف الأفكار والهواجس تترصدها وصوت رئيسها وهو يطردها يصم آذانها ويشل حركتها ... 

دام الحال ساعات وهي واقفة في نفس المكان  إلى أن خيم الظلام  وهي لا تدري أنها على مقربة من الانهيار  فنزيف قلبها وصدمتها أفقداها الإدراك بالعالم الخارجي والخطر المحدق بها ... خلفها أصوات رجال تقترب منها ،انتشلتها من صمتها وغيبوبتها وجعلها تعي أنها في مكان خال  وأنها على شفا جرف يطل على البحر  فتملكها الخوف الشديد  وهي تسمع تلك الأصوات تقترب منها ورجال يتجهون نحوها  وبحركة آلية تبحث  عن حقيبتها اليدوية لتأخذ هاتفها لتتصل بأسرتها  فلم تجدها "ربما ضاعت مني وأنا في طريقي  آآاااه " وأشرعت في البكاء.  " ياربي ماذا أفعل هم يقتربون وأنا وحيدة هنا..يارب ماذا  أفعل ...؟؟" بعدها .....


يتبع

إلهام محمد

المغرب🇲🇦



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من يكتب لي صدر/بقلم الشاعر /محمود حفظ الله.

عجائب الدنيا /بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.

كوكبة الشهداء/بقلم الكاتب /مايك سلمان.