كأنك هي/بقلم الكاتب /حسام الدين أحمد.
كأنك هي
خرجت من المتجر وأنا أحمل في يدي الآيس كريم، كان شكله شهي جدًا، حتى رائحته كانت جذابة، وقد انتشرت بسرعة حولي، حتى أخذت النسوة اللاتي يمشين قربي يتلفظن بألفاظ الإعجاب وهن يقلن لبعضهن: ما أروعه.. ما أجمله.. ما ألطفه.. ما أزكى عطره.. نعم عيناه زرقاوان، وشعره قد غطى منكبيه.. مرتفع القامة، يمشي واثق الخطى.
كنت أظنهن يقصدن الآيس كريم، حتى أخذت أتفحصه، فوقفت لأهديه لهن، فشكرنني وهن ينظرن إلى عيني ويقلن: شكرًا لقد اشترينا ثلاثة قطع، ولكن التي بين يديك أطيب.
تركتهن وهن يتهامسن ويقلن: لم يبال بنا.. معه حق.. كيف سينظر إلينا، ووجهه كأنه القمر.
تركتهن وهن يتفاخرن بجمالهن الباهر، وخصوصًا تلك البيضاء ذات الشعر الغجري، لكني واصلت السير وفكري منشغل بأخرى، ولم يستطعن امتلاك قلبي، أو جذب اهتمامي ولو لثواني معدودة، ووقفت عند موقف الحافلات أنتظر الباص، وأنا أهيم بتذوق الآيس كريم لأروي عطشي وأطفئ الحرارة التي في جسدي، وقبل أن أضع طرف لساني عليه، وقفت قربي امرأة كبيرة في السن ومعها فتاة شابة، وأخذتُ أنظر إليهما بتمعن، حتى جلسوا وجلست دون أن أشعر قربهما، وأنا أنظر للمرأة التي أنار وجهها المكان، وكانت الابتسامة لا تفارق شفتيها، حتى أخذت الفتاة بالنظر إلي، وقد رفعت رأسها، وكأنها تنظر إلي من طرف أنفها، وهي تحدث نفسها وتقول: ما أصاب هذا الشاب؟ ألم ير فتاة جميلة من قبل!
أخذ الآيس كريم يذوب بين يدي، حتى تساقطت قطرات منه على ثيابي، وأنا ما زلت أنظر لتلك المرأة، فعادت الفتاة ورفعت صوتها وهي تقول: أنتم الشباب طفيليون.. لا تتركون الفتيات الجميلات يمشين في الطريق بأمان.
امتلأت عيني بالدموع وأنا ابتسم، فظنت الفتاة أني وقعت في حبها حد الجنون، فنظرت إليها بعد أن وخزتني على كتفي "بالمهفة اليدوية"، فوجدتها تشبه جاري سعيد السمين، أو كأنها العم محروس البواب في العمارة التي أسكن فيها.
غضضت طرفي عن الفتاة التي أخذت ترفع صوتها أكثر، وهي تحاول إسماع الفتيات الأُخريات أني أتغزل بها.
لم أعد أسمع كلامهن، وعدت للنظر إلى المرأة وأنا أمسح قطرات الدمع التي نزلت على لحيتي، وقد اِختلطت ببقايا الآيس كريم، وأنا أكرر على مسامعها تلك الكلمات التي أرددها كلما نظرت للشمس وهي تشرق من الأفق، حتى وضعت المرأة يدها على كتفي تحاول تهدئتي وأنا أقول: بحثت كثيرًا بين وجوه النساء لعلي أجد من تشبهها، بعد رحيلها رحمها الله.. إنك تشبهين أُمي، أو كأنك هي.
حسام الدين أحمد
بغداد
تعليقات
إرسال تعليق