حضرة عامل النظافة/بقلم الكاتبة /أم إبراهيم.

 حضرة عامل النظافة

الجزء العاشر 


..وضعت نجوى سامر بين أمرين ،إما أن يوافق على طلبها وهو لا يسمح بذلك الطلب ،أو أن يرفض وذلك  ما يجعل نجوى تتركه بعد أن سببت له بعض السعادة وأظهرت له وفاءها  ...

وعند بحثها عن سامر وسماعها للرجلين الخبيثين واللذين كانا يرتديان زي عمال النظافة وحين أرادت العمل في النظافة كان لها غاية في ذلك..!

وحين تواجدها عند سامر اتصلت بها عمتها وسألتها عن تأخرها في المجيء إليها، فقد أخبرتها والدتها بأنها قادمة إليها لتسكن معها وكم هي قلقة عليها ..فأخبرتها نجوى أن لا تقلق فهي قادمة إليها بعد إنجاز عمل ماا !


 لنجوى  ميول عاطفية تجاه سامر ومن أيام الجامعة لكنها كانت تخفي ذلك وحين رأته بعد مدة وعرفت بما جرى له آلمها ذلك كثيراً ،..وازدادت عطفًا و ودًا له في تلك الأيام القليلة التي قابلته بها وحنت عليه حنو الأم ،وامتلك قلبها !،ورأت فيه الرجل الذي تتمناه وكُسر قلبها لانكسار قلبه ،وحزنها على وضعه جعلها تقرر قرارًا لا رجعة فيه أبدًا ،فلم تعد تهمها حياتها ومكانتها وردّة فعل والدتها  وذلك ليس بطيش أو عناد..إنما هو حب صار يجتاز كل مستحيل وغير ممكن..!


ذهبت نجوى إلى بيت عمتها لزيارتها والاطمئنان عليها وذلك ما أخبرت سامر به قبل ذهابها،فحين وصلت هناك استقبلتها عمتها بكل حب ولهفة لأنها منذ فترة لم ترها ..فجلستا تتحدثان بكل شوق ،كانت عمتها تحبها كثيرًا ولا ترضى بتعامل والدتها القاسي معها..

حدثت نجوى عمتها عن كل حكايتها بدون أي تردد ولا أي مقدمات لأنها عالمة بحب عمتها لها وفهمها للأمور.

في البداية خافت العمة على بنت أخيها واعترضت على ماستفعله وأي موقف سوف تضع نفسها به ،لكنها وبعد تفكير... قررت أن تسمح لها بفعل كل ما تريده لشدة ثقتها بها وقالت لها:-

–افعلي كل ما يحلو لكِ،مادمت تعرفين ماذا تفعلين ..!

وأنت لم تعودي صغيرة وقراراتكِ أنت المسؤولة عنها وسوف تتحملين عواقب ما تفعلينه ونصيحة خذيها مني يا ابنة أخي الغالية ، لو كان مايشعر به قلبك نزوة فسوف تخسرين نفسكِ وتكسرين قلبكِ بيدكِ لكن إن كان ما تشعرين به حقيقيًا وصادقًا والمقابل أيضًا صادقًا ويستحق فامضي في طريقكِ ولا تخافي فإن الشعور المتبادل الصادق يستحق التضحية..!


قالت العمة كلماتها هذه وهي متكئة على أريكة رافعة رأسها إلى أعلى كلها ثقة وتفاؤل،أحبت أن تترك ابنة أخيها تفعل ماتريد لأنها تعرف بأنها قوية وصاحبة إرادة قوية كعمتها..! وفي النهاية طلبت منها أن لا تخبر والدتها بأي شيء حتى تكمل مهمتها التي عزمت عليها..

بعدها ذهبت إلى مكان عملها وقدمت على إجازة مفتوحة بحجة المرض...وبعدها...


رجعت نجوى إلى سامر وأقنعته على فعل ما تريد ،وأن يتهيأ للرجوع إلى الجامعة،وسألته نجوى عن حجم ثقته بها فرد عليها قائلاً:-

–حين شعرت بحبك وحنانك ومشاركتك لحزني وآلامي أيقنت أن لا أحد بالدنيا أقرب إلى روحي منكِ،وأن لا أحد يستحق الثقة والعشق غيركِ أنتِ ،ولا أحد  سيأخذ مكانكِ في قلبي ،وإن خانتنا الظروف أو قسا علينا القدر ،وإن كان هناك من يبعدني عنكِ فهو الموت..بكلماته هذه جعل قلبها يخفق بشدة ،وما إن قال كلمتهُ الأخيرة حتى وضعت يدها على فمه ولم تدعه يُكمل جملته وأجابته قائلة:-

–يومي قبل يومك ،فأنا بدونك  لن أعيش ..وهيا  

فلنمض ولا نؤجل أي شيء

–حسناً عزيزتي أنا تحت أمرك ..قال كلماته هذه وهو يخفي أمرًا ما في نفسه لم يود أن يطلع نجوى عليه ...!


وفي اليوم التالي جَهِز كل منهما لإداء عملهِ،سامر خرج من غرفتهِ مرتديًا ملابس أنيقة وسرح شعره وبدا كالممثلين ! ..ووجد نجوى تنتظره مرتدية زي عمال النظافة وتضع على عينيها نظارات سوداء وترتدي قبعة تخفي تحتها شعرها وبدت كأنها رجل بالفعل..


حين رأت نجوى مظهر سامر الأنيق ،دُهشت ولا تكاد تمسك قلبها من سرعة نبضه،لكن سامر شعر ببعض الاستياء لأنه لم يكن ليرغب بمشاهدة نجوى على هذا الحال وارتدائها لهذا الزي لكنه أخفى شعوره لكي لا يزعجها ،ولأنها عازمة على أمرها، وأدهشه ثقتها العالية بنفسها وتحمسها.


ذهب كلٌ إلى عمله دون أن يظهرا مشاعرهما لبعضهما  ودون أن يتأخرا..!

ذهبت نجوى إلى مكان عمل سامر وقد أخذت مكانه في العمل و لا يستطيع أن يتعرف عليها أحد كونها امرأة ولم تسأم ذلك العمل بل كان ممتعًا بالنسبة لها وهي لا تعرف أن سامر لم يتركها لوحدها فكان يرافقها أين ما تذهب ويراقبها بعد أخذ كم ساعة من الدراسة  لأنه كان قلقًا عليها..ومع مرور الأيام لمحت هذين الرجلين اللذين رأتهما حين كانت تبحث عن سامر في الحي القديم فحاولت أن تقترب منهما وتحاكيهما وتسترق منهما كل ماكانا يتحدثان به وتحاول أن لا تغفل عنهما وبعد أن  حان وقت الاستراحة وجلوس جميع العمال لتناول وجبة الغداء جلست بالقرب منهما تمسك بيدها قطعة سندويش وقنينة ماء وكانت تتصنع وتظهر وكأنها رجل وشقي أيضًا وهي تسترق السمع حتى سمعتهما يتحدثان.. ذاكرين اسم سامر ...


دار حديث بين الرجلين فذكرا سامر وسأل أحدهما الآخر ..أين ذلك الحثالة أنا لم أره اليوم فأجابه الآخر لا أعرف ،ربما يكون التحق بأبيه الشجاع ..تحدثوا وهم يضحكون بصوت عال وبسخرية..

فردت عليهما نجوى وهي تأكل وتمضغ الطعام وكأنها تتضور جوعاً وتميل برأسها :-

–ومن سامر هذا الذي يشغل اهتمامكما هكذا؟..فقام أحدهم وأمسكها من قميصها وأراد ضربها وقال لها :-

–ومن أنت حتى تتدخل فيما لا يعنيك،فقط اهتم بأمورك الخاصة ولا شأن لك ..فدفعها أرضًا وبدت وكأنها خائفة وطأطأت رأسها محدثة نفسها..(كل شيء يهوون لأجلك)…فقامت ونفضت التراب من على ملابسها وأجابت...وكأنها معتادة على الضرب والإهانة...ولحسن الحظ لم يكن سامر موجودًا كعادته ليراقبها وإلا لفشلت خطتها ولو رأى أنها تهان لكان لم  يسكت أبدًا.

لم تأبه لما فعله أحدهم بها وردت قائلة...

أنا عندي حساب قديم مع شخص اسمه سامر فاعتقدت أنه هو من تتحدثان عنه لا أكثر ولم أقصد التنصت لحديثكما لكن سماع اسمه استفزني فشاركتكما الحديث!

–حساب قديم ؟..وهل تكن له العداوة ؟

-أنا؟..نعم..ورجائي أن أعرف مكانه لأصفي حسابي معه..

فوصفاه  لها فعرفته فرد أحدهم عليها...


–هو رجل حقير ويجب أن يموت وعلى يدي هاتين..فردت عليه نجوى ..

–وما سبب بغضك منه ؟

–يجب أن يلحق بأبيه وإلا ..

–وإلا ماذا؟

–أنت ..هل تعرف مكانه؟..كان يجب أن يُقتل من زمان لكن لم تسنح لي الفرصة فهو نبيه ،ولا يقدر عليه أحد ،أود أن  يقتل على يدي لكنني لا أريد التورط بذلك ..فهجم على نجوى وأمسكها من قميصها وقال لها:-

–إياك أن تتفوه بأي كلمة وإلا سوف تموت قبله أفهمت؟


راود نجوى شك بأن هؤلاء الرجال موضوعهما يتعلق بقتل والد سامر ،لكنها أرادت أن تتأكد وبعدها تخبر سامر...


رجعت نجوى وهي منهكة تعبة وتحمل همًا ثقيلًا على قلبها وحين وصولها لم تجد سامر قد عاد وقامت بالاستحمام وتغيير ملابسها والاعتناء بالأولاد المساكين حتى عاد سامر فاستقبلته بكل شوق وهي مبتسمة ولم تظهر على وجهها أي شيء مما عانته وما حدث في يومها ،فاقترب سامر منها يسألها بكل لهفة :-

–أخبريني أيتها العزيزة ماذا حدث معكِ اليوم وهل هناك من ضايقك أو أزعجك قولي هيا قولي تكلمي..فردت نجوى ضاحكة فرحة تخفي ما في قلبها

–لقد استمتعت اليوم كثيرًا ،فما أجمل أن يمارس الإنسان عملًا مختلفًا وأما عن مضايقتي فلن يجرؤ أحد  بأن يفعل ذلك فكما تعرف ذهبت بهيئة رجل أم قد نسيت؟

–حمداً لله عزيزتي ..

–وأنت ..ماذا حدث معك اليوم وكيف كان يومك ..قالت كلماتها هذه وتبدو الغيرة على وجهها فأجابها قائلاً..وهو ضاحك

–لا شيء عزيزتي ..!بعدها صار يحدثها عن أجواء الجامعة ولهفته للدراسة وأمله بالمستقبل لكنه أخبرها بأن عملها هذا ينغص عليه حياته فلابد لها أن تتركه وسوف يدبر أمره هو فأجابته قائلة تهدئ من روعه...

-لن يطول ذلك كثيرًا فقط تحمل قليلًا فذهبت عنه


قضت نجوى ليلة صعبة من شدة خوفها على سامر لكنها في نفس الوقت شعرت بقليل من الفخر لأنها تقريبًا  سوف تتعرف على قاتل والد سامر فقط بقي أن تتأكد وإن كان ذلك صعبًا عليها أن تكون بين ناس مشردين قتلة قد يؤذوها في أية لحظة لكنها واثقة بأنها سوف تكون نبيهة وتستطيع أن تحفظ نفسها منهم وببراعتها سوف تصل إلى ما تريد أن تصل إليه وإن تطلب ذلك قوة عضلات فقد كانت قبل سنتين أو أكثر كانت ترتاد  مدرسة تعليم الكاراتيه للنساء مما جعلها تملك قوة جسدية تستطيع بها الدفاع عن نفسها!


وفي اليوم التالي...صحت نجوى من نومها باكرة ورحلت من بيت عمتها إلى بيت سامر فجهزت  الفطور وأيقظت سامر والأولاد وطلبت منه أن يتعجل لأنه سوف يتأخر عن جامعته فحدثها قبل رحيله...

–أيتها المجنونة ألا زلتِ متمسكة برأيك ..فأجابت بكل ثقة وعزم..

–نعم لازلت ورجاءً  لا تتدخل بعملي لأنني مستمتعة به

–حسناً يا مجنونة تعالي واجلسي بجانبي..فاستجابت له وجلست بجانبه ولم تتفوه بكلمة وأرادت أن تطعمه وكأنه ولد صغير..فأمسك بيدها بقوة وأسقط الملعقة ورمقها بنظرة حب عميقة للحظات وبعدها حدثها قائلاً:-

–أطعمي نفسكِ جيدًا أيتها العزيزة وأسرعي بالذهاب إلى عملك المهم الذي تعشقينه ..قال كلماته هذه بعدما ملأ عينيه من رؤية وجهها الجميل الذي تبدو عليه ملامح حزن ممزوجة بحب وحنان عظيمين..وخوف ودهشة وعدم ارتياح لم يسبق أن شعر بها على وجهها من قبل..والشعور الأخير جعله يقلق عليها ...يتبع

بقلمي أم إبراهيم



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من يكتب لي صدر/بقلم الشاعر /محمود حفظ الله.

عجائب الدنيا /بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.

كوكبة الشهداء/بقلم الكاتب /مايك سلمان.