رسالة منتهية الصلاحية/بقلم الشاعر /حسام الدين أحمد.

 رسالة منتهية الصلاحية


ربما لن يكترث أحد لصرخاتك حين تأتي في نهاية رحلتك في هذه الحياة، وقد فقدت فيها كل شيء، بعدما وهبت كل ما تملك، صحتك وشبابك ومالك، حتى أنك كنت تعطي دون أن تأخذ مقابل ذلك شيئًا، بل أنك كنت تقوم بذلك قبل أن يطلب منك، وكأنك اعتدت على أن تهب، لا أن تأخذ.


لكن لا تعطي كل ما تملك! فقد يصدق قول القائل "لا أحد يستحق أن تفعل له ذلك" فالكل سيتغير في اللحظة التي تتوقف فيها عن العطاء، فلا يبقى شيء على حاله، حتى القلوب تتقلب وتتغير، فلا بد عندها أن تختزن فيها شيئًا لتحفظ بها مكانتك، وتعيش ما تبقى من عمرك وأنت تنعم بالحياة الكريمة، فالزوجة والحبيبة قد تمل منك، والأولاد قد يعصونك، والأصدقاء قد يسأمون منك، والأقارب قد يعادونك، وأكثر هؤلاء سيهجرونك في اللحظة التي تصبح فيها أنت في أمس الحاجة ليقفوا قربك، وخصوصًا إن توفرت لهم فرصٌ أكثر سعادة من بقائهم، فيفضلون الابتعاد عن البقاء معك، أو قضاء بعض الأوقات قربك، ومن المؤكد أنهم سيرحلون عندما يجدون عند غيرك ما اعتادوا عليه حين كانوا معك، فبعد نفاد ما كان بين يديك؛ تقلبت قلوبهم وأصبحت قاسية، وها أنت الآن بحاجة لمن يهتم بك، ويأخذ بيدك للوقوف مجددًا.


بعد كل تلك السنوات الشِدَاد التي مضت وأنت تحاول إخفاء ضعفك، وإسعاد غيرك، لتصل إلى نهاية تلك الفترة القاسية، والوحدة القاتلة، حتى أنك اعتدت العيش بتلك الآلام والأوجاع، والتي أصبحت رفيقك الذي لا يفارقك، وكأنه ظلك الذي يسير معك أينما ذهبت. 


قد تكون أنت السبب، فمن المحتمل أنك عَلّمتَ كل هؤلاء أنك بحر في العطاء، حتى حين ينفد ما بين يديك، فإنك تهب حياتك لإسعادهم، لتكتشف بعد أن تسقط، أنك تسكن بمفردك خلف أقفاص روحك البائسة، التي أوصلتها إلى هذه المرحلة، بعد أن وهبت كل ما يسعدها لإسعاد غيرها، فإنك حين ضحيت بنفسك من أجل إسعاد الآخرين، أصبح عليك الاستمرار في ذلك إلى آخر لحظة في حياتك، وأن تعطي دون توقف، وإلا سيعتبرونك سيئًا، وفي اللحظات الأخيرة عند حدوث ذلك، ستدرك أنك كنت تسير بقلبك، الذي علمك أن تهب كل شيء؛ لتبقى دون شيء.


فتريث قبل أن تصل إلى هذه المرحلة، واختزن بعضًا مما تجنيه في البدايات، لتحافظ بها على بقايا نفسك في تلك النهايات الصعبة، فالكل قد يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية، فقبل أن تقع ضحية هذا الزمان، تذكر أن القلبين الوحيدين اللذين لا يملّانك، ولا يستطيع الزمان أن يغيرهما، ولا يتقلبان مهما تقلبت القلوب، حتى أنهما يعطيانك دون أن ينتظران منك شيئًا، فأنت الفائز الوحيد، ولا خسارة ستواجهها وأنت معهما، فهما قلبا أمك وأبيك، فإن رحلا وبقيت دون هذين القلبين، فتيقن أن كل القلوب التي حولك قد تتقلب وتتغير، فاحفظ حينها لروحك مكانتها، وسط تلك المحن التي من المحتمل أنك ستواجهها في حياتك.


تذكر قبل فوات الأوان، فلن يشعر بجرحك غيرك، وقم بإعادة ترتيب بعض أوراقك، لتستطيع أن تعيش حياة كريمة، نعم.. قد تعطي أكثر مما تأخذ؛ لكنك في النهاية ستحفظ لنفسك مكانتها، فأحيانًا كثيرة كنت تتنازل عن حقوقك حتى ظن الآخرون أنها حقوقهم، وفي اللحظة التي ينفد فيها ما في خزائنك، ستجد أن وجوههم قد تبدلت، وأن قلوبهم قد تغيرت، وكأنك قد منعتهم حقًا من حقوقهم المشروعة.


نعم ستحاول جاهدًا أن تغير من طريقة حياتك! وأنت تعطي لكل من حولك حقه، دون أن تنسى نفسك، ليصل جسدك وروحك إلى نهاية رحلتهما في هذه الحياة بأمان، دون أن تعاني ما لا تطيقه، بسبب آلام جسدك وأوجاع قلبك ومعاناة روحك، نعم ستحاول.. وتحاول! إلى أن تكتشف بعد فوات الأوان أنك تدور في نفس الدائرة التي رسمتها لنفسك، فقد تعلمتَ من قاموسك أن معنى الحياة؛ أن ترى البسمة وقد رسمت على شِفاه غيرك، وأنت تخفي أوجاعك، وكأنك خلقت لتعطي، حتى وإن نفد ما عندك، فستهب لهم دقات قلبك المتبقية لإسعادهم قبل أن ترحل.


حسام الدين أحمد

العراق بغداد



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من يكتب لي صدر/بقلم الشاعر /محمود حفظ الله.

عجائب الدنيا /بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.

كوكبة الشهداء/بقلم الكاتب /مايك سلمان.