الندم الأبدي/بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.

الندم الأبدي

بعض الأخطاء تجعلنا نندم على فعلها  ونتمنى أن يعود بنا الزمن لإصلاحها.

أنا شاب أعمل محاسبًا في شركة تصميم أزياء. توفيت أمي منذ عامين، وبعدها بفترة قليلة توفي أبي. كنت وحيدًا وجميع إخوتي متزوجون، وأنا كنت بمفردي لا يؤنسني غير هاتفي. اجتمعت في يوم مع إخوتي وقالوا لي: ماذا تنتظر بعد؟ لماذا لا تبحث عن فتاة ذات خلق وتتزوجها؟ قلت لهم: إن شاء الله، عندما يأذن الله سأفعل. 

كنت دائماً أذهب إلى العمل، وعندما أعود أذهب إلى البيت، لا  لأي مكان آخر، لا سهرات ولا خروجات ولا أصدقاء. في يوم كنت غارقاً في النوم، استيقظت على رنين هاتفي، كانت أختي التي تكبرني بثلاثة أعوام. قلت لها: ما الأمر؟ هل هناك شيء؟ قالت: نعم، أريدك أن ترتدي ثيابك وتأتي إليَّ في أسرع وقت. شعرت بالقلق، ولكن استيقظت، شربت فنجاناً من القهوة وذهبت إليها. عندما دخلت، قالت لي: وجدت لك عروساً جميلة ذات خلق ودين. قلت لها: هل كنتِ تطلبينني بهذا الاستعجال لأنكِ وجدتِ لي عروساً جميلة؟ قالت: لابد من إخافتك لكي تأتي بسرعة. تنهدت وسألت: من هي ومن أين عرفتيها؟ قالت: إنها ابنة جارتي. كانت جارتي مريضة، فذهبت لزيارتها، ولأول مرة أرى ابنتها، إنها فتاة جميلة بحق، 
ما رأيك نذهب لزيارتهم وتراها قلت لها لنذهب ونرى اختيارك.. اتصلت أختي بجارتها لتخبرها أننا سنذهب لزيارتهم وذهبنا بالفعل دخلت الفتاة علينا دق قلبي وقتها بعنف كانت شديدة البياض وعينيها بنية وترتدي حجاباً يليق بهيئتها أعجبت بها وطلبت يدها في الحال دون أن أصلي صلاة استخارة.. والعجيب أن والدتها وافقت عليَّ بسرعة كبيرة فقررنا أن نعلن خطبتنا بعد يومين.. ومر اليومان عليّ بسرعة شديدة ...لِم لا أعرف كانت ترتدي فستاناً جميلاً كانت كالملاك وملامحها بريئة جداً أمسكت يدها وألبستها الخاتم أمام الجميع وقبلت يدها.. 
فحدث أمر غريب، سحبت يدها بسرعة شديدة. تعجبت من رد فعلها، ولكن عذرتها لأنها ما زالت لا تعرفني جيدًا. مرت الأيام بيننا، وكل ما عرفته عنها أنها ملتزمة جداً. لم أسمع منها كلمة "أحبك" هذه ولا مرة. عندما أقولها، تقول لي: "أحبك الله ورسوله". مر شهر على خطبتنا، قررنا أن نتزوج وتزوجنا. كانت أجمل أيام، ولكن لم أشعر أنني أحبها. كنت متعلقًا بوجودها، لكن لم أذق معها طعم الحب الحقيقي. ومرت الأيام بيننا دون مشاكل. شعرت أنها أحبتني، وقلت في نفسي: مع مرور الوقت، سيعلن قلبي أنه أحبها. في يوم، كنت في عملي، وجدت رسالة على مكتبي مكتوب بها: "أحبك كثيراً وأريد أن أخبرك بذلك منذ فترة، ولكن أخاف أن تجرحني بكلامك". نظرت أمامي بشرود، وقلت في نفسي: يا ترى من تكون صاحبة هذه الرسالة؟ قاطع شرودي فتاة جميلة تدخل وتقول: "صنعت لك فنجان قهوة بيدي لأنني شعرت أنك مرهق جداً".
كنت أعرفها من أول يوم أتت فيه إلى الشركة، وكانت تنظر إليَّ بنظرات غرامية، لكنني كنت أتجاهل ذلك. جلست أمامي بهدوء وقالت: "قرأت الرسالة." نظرت إليها بتساؤل وقلت: "هل أنتِ من وضعتها على مكتبي؟" قالت: "نعم، أنا والله أحببتك رغماً عني. قل لي ماذا أفعل، أعطني فرصة واحدة أرجوك." رددت عليها بغضب وقلت لها: "أنا رجل متزوج، والجميع يعرف هذا." ردت عليَّ وقالت: "والشرع والقانون لا يمنعان الزواج باثنين." كانت كلماتها كالصاعقة. ما هذه الجرأة التي تمتلكها هذه الفتاة! غضبت كثيراً وقلت لها بصياح: "هل أنتِ مجنونة؟" وضعت يدها على أذنها وبكت بانهيار. ضعفت أمام دموعها وقلت لها: "اهدئي، أنا أعتذر على صياحي." جففت دموعها وقالت: "أنا لا أريد اعتذاراً منك، أنا أريدك أنت." ضعفت أمامها وقلت لها: "أنا معك، ولكن لن نتزوج حتى أشعر بالارتياح معك." ابتسمت بحب وقالت: "وأنا أنتظرك حتى تقرر، لن أمل أبداً. ولكن أريدك بعد العمل أن نذهب لأي مكان نتحدث فيه." قلت لها: "تمام، على موعدنا." ومر دوام العمل وذهبنا معاً. جلسنا على شاطئ البحر، شاركتني تفاصيل حياتها وأنا كذلك
ومرت الأيام بيننا، انجذبت إليها وشعرت أنني أحبها ولا أريدها أن تبتعد عني. تعلقت بها كثيراً. في يوم، وأنا أجلس معها، اقتربت مني ونامت على ذراعي. وعندما عدت إلى البيت، وجدت زوجتي تقابلني على الدرج وارتمت بين أحضاني. 

وفجأة، عادت برأسها إلى موضعها ونظرت إليَّ نظرة مؤلمة وقالت: "أين كنت؟" قلت لها: "ماذا بكِ؟ كنت في العمل." ابتسمت وقالت: "هيا بدل ثيابك لأحضر لك الغداء." وذهبت. شعرت بالقلق من سؤالها، لكن قلت: "أظن أن سؤالها طبيعي، لا بأس." وذهبت لأبدل ثيابي وجلست على مائدة الطعام، وجدتها تنظر إليَّ نظرات لم أفهمها، وظلت تسألني عن أمور العمل. تعجبت لأنها لأول مرة تسألني تلك الأسئلة، ولكن جاوبتها بهدوء لكي لا تشعر بشيء. 

بعد فترة، وأنا في العمل، دخلت عليَّ تلك الفتاة التي أحببتها وقالت: "متى نتزوج؟" قلت لها: "قريبًا، أرتب أموري ونتزوج في أسرع وقت. والله أحببتك يا جميلتي، لا تقلقي." مر شهران علينا وطلبت يدها، فرحت جداً وحددنا موعد الزفاف. قلت قبلها لزوجتي: "أنا سأسافر بضع أيام لأحل مشكلة حسابات في فرع شركتنا الأخرى وسأعود إن شاء الله."

حزنت على فراقي، ولكن استسلمت للأمر. جاء وقت حفل الزفاف، وكانت حبيبتي جميلة بفستانها، ولكنه كان عارياً من الأكتاف ومثيراً لكل من رآها. تذكرت يوم زفافي الأول عندما كانت زوجتي ترتدي فستاناً جميلاً وحجاباً. وجدت الفرق كبيراً جداً. شعرت بالحزن، لا أعرف لماذا، ولكن أكملت الحفل. كانت الصدمة أن زوجتي الأولى تقف أمامي وتنظر إليَّ بألم. أشارت بإيقاف الموسيقى وعادت للنظر إليَّ، وقالت: "كنت أعد مفاجآت لك، ولكنك سبقتني بمفاجأة أكبر. كنت أعلم منذ اليوم الذي احتضنتك فيه، ولكنني كنت أكذب على نفسي لأنني أحببتك. ولكن شاء الله أن يضع في بطني طفلاً منك. وعندما رفعت هاتفي لأتصل بك لأخبرك، جاءني اتصال بأنك تتزوج."
نظرت إلى الناس وقالت: "اليوم، عندما قررت أن أسعده، كسرني. والله، ما كان التزامي بالله شيئًا غريبًا، إنما هو رحمة منه. وأنت لم يعجبك هذا، تريد أن تفعل المحرمات لتسعدك. الله يسامحك على قدر حبي لك." وذهبت مسرعة، وأنا خلفها. كانت تسير على الطريق وتملأ عينيها الدموع حتى اصطدمت بها شاحنة كبيرة. طارت من مكانها بارتفاع كبير وارتطمت بالأرض. ركضت إليها بشدة وصرخت بصوت عالٍ. جاءت الإسعاف وحملتها. جلست بجانبها وبدلتي تملأها الدماء وأنا أبكي بحسرة وندم على كل ما اقترفته في حقها. وصلت سيارة الإسعاف ودخلوا بها إلى العناية المشددة. 
دخلت في غيبوبة، خرج لي الطبيب وقال: "أنا آسف على تلك الأخبار، لقد أجهضت الطفل وذهبت إلى غيبوبة نتيجة ارتطام رأسها بالأرض." جلست على ركبتي في منتصف المستشفى وظللت أصرخ بكل قواي. بعد بضع أيام، أفاقت وتحسنت، وعندما وقفت على قدميها، طلبت مني الطلاق وقالت: "ما كان يربطنا لم يعد موجودًا"، وأصرت على الانفصال. وبالفعل، انفصلنا. شعرت بعدها بحبي وإدماني لها، لكن كنت كالأعمى لا أرى وعديم الإحساس. بعد عام، تزوجت من رجل ملتزم كان يحبها بشدة، وهي أيضًا أحبته. أما أنا، فزوجتي الثانية كانت أنانية ومغرورة وتحب المال كثيرًا. في يوم، استيقظت ولم أجدها بجانبي، وخزانتها فارغة، وكتبت لي رسالة وضعتها بجانبي تقول: "أنت مغفل يا هذا، أنا خدعتك لتقع في حبي وتتزوجني لأخذ كل ما تملك. افتح خزانة المال." نهضت مسرعًا وفتحتها، لم أجد أي شيء، أخذت كل ما أملك والأوراق والمستندات. خدعتني ودمرتني، وهذا بسبب أنانيتي. أستحق أكثر من هذا. ضاع مني كل شيء: زوجتي الطيبة التي تعرف ربها، وطفلي الذي فقدته قبل أن أراه، وكل ثروتي بسبب تلك المخادعة. اشتعل في قلبي الندم ولازمني طوال حياتي، وهذا هو الندم الأبدي.

ياليت الزمن يعود بي 
لأضمك بين أضلعي
وأتنفس رائحتك
لكن لا يعود أبدا
أندم على لحظة 
غفل فيها قلبي
وضيع كل شيء مني
🖋دينا مصطفى

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من يكتب لي صدر/بقلم الشاعر /محمود حفظ الله.

عجائب الدنيا /بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.

مستقبل/بقلم الكاتبة /عايدة ناشد باسيلي.