ملك بلا تاج/بقلم الكاتبة/رانية الصباغ.
ملك بلا تاج
ترجّل عن فرسه عندما رأى شيخاً مسنّاً هزيلَ الجسم، جالساً قرب خيمته في البادية.
اتجه نحوه و أسرع الحرّاس خلفه.
وجده متّكئاً على وسادةٍ باليةٍ يقلّب جمرات موقده
ابتدره بالسلام قائلاً:
_ السلام عليكم ورحمة الله أيّها الشيخ.
_ وعليكم السلام ورحمة الله
_ ما الذي جاء بك إلى هذا المكان المقفر يا أبتاه؟
_ أهو الفضول الذي دفعك لتسأل؟
نهره أحد الحرّاس قائلاً:
_ أولا تعلم إلى من تتحدث؟
ردّ الشيخ وهو يحملق في وجهه: وما يعنيني من يكون؟.
_ إنّه الملك أيّها الخَرِف.
فأشار الملك إلى الحارس أن يكفّ عن إيذائه، وتابع قائلاً وهو يربت على كتفه:
_ لا عليك يا أبتِ، إنما أتقصى حالك لأقدم لك يد العون.
_ جزاك الله خيراً إن استطعت.
_ لعل الله جعلك في طريقي حتى أبدلك بخيمتك بيتاً آمناً
فوالله لا يرضيني أن تقيم وحيداً في هذا القفر.
_ أيها الملك مثلك من يحتاج الأمان أمّا أنا فلن يجد قاطع الطريق لديّ شيئاً ليسلبه ولن يجد الذئب في جسدي لحماً ليأكله.
واعلم أنّي في عزلتي هذه لست وحيداً. فالله معي وهو مؤنسي.
_ يا أبتِ، أليس الله معك أينما حللتَ. تعال معي وسأجعل لك عطاءً تستعين به على قضاء حوائجك
فتأكل أطيب الطعام وترتدي ألين الثياب وسيكون لديك خادمٌ يعينك .
_ أمّا الطعام فتلك النخلات لم تبخل عليّ بتمرها وذاك البئر لم يشحّ ماؤه .
وأمّا الخادم فإنّي أستحي من الله أن أستخدم أحداً وأنا أستطيع خدمة نفسي.
ثم أردف قائلاً:
_ أيها الملك، لمَ ترتدي أفخم الثياب وتقتني أفخر الديباج وتسكن في قصرٍ منيفٍ بينما تكفيك حُجرة لتعيش فيها؟.
_ إنّ مكانة المرء بين الناس تعلو حين يمتلك ما يحبونه ولا يملكونه.
ضحك الشيخ ساخراً وقال:
_ و كيف تكون ملكاً عليهم وأنت أسير هواهم؟.
_ عجباً لأمرك يا رجل. ما زلتُ أتودّد إليك بالعطايا وليّن الخطاب وأنت تتبغّض إليّ بالترفّع عنها و تنهال عليّ بغليظ الكلام.
أما تخشى أن يسبق غضبي حِلمي فأقتلك؟
_ لو علمتُ أن أمري بيديك لتركتُ عبادة ربّي وعكفتُ عليك.
امضِ في طريقك فلكلٍ منّا وجهة يقصدها، وهيهات أن يجمعنا طريق.
_ إنّما أردتُ بك الخير لكنّك أبيتَ.
_ وما النفع من وراء ذلك الخير الذي تريده لي؟
_ سيجعلك تعيش سعيداً.
_ لكنني سعيدٌ .
أيها الملك لو كنت منصفاً حقاً كما تحبّ أن تبدو لعلمتَ أنّني أنا الملك لا أنت. اذهب فوالله أنت أحوج منّي إلى العون.
_ لم أرَ أحداً بعنادك يا رجل. لقد ضيّقت عليّ السُبل. ألك حاجةٌ فأقضيها لك قبل انصرافي؟
_ لا أسألك حاجةً لنفسي، لكني أوصيك بنفسك خيراً فقد حُمّلت أمانةً يُشفق من حَملها كلّ فطين. فلا تكن أنت والزمان على نفسك واختر لصحبتك من يرثي لحالك ويشفق عليك.
هزّ الملك رأسه موافقاً، ودّعه ثم مضى.
تعليقات
إرسال تعليق