مائدةُ الغياب… في مدينةٍ تأكلُ ظلَّها/بقلم الشاعرة/ورود الدليمي.

 مائدةُ الغياب… في مدينةٍ تأكلُ ظلَّها


ورود احمد الدليمي /العراق


في غزّة،

لا شيء يحدث كما ينبغي للحياة أن تحدث.

النهارُ لا يُشرق بل يتساقط كزجاجٍ مكسورٍ من شرفةِ العالم.

والأمُّ لا توقظ طفلها لتعدّ له فطوراً،

بل تهمس في أذنه:

"اصبرْ قليلاً... سنأكلُ حين يشبعُ القصفُ."


الجوعُ هنا ليس فراغَ البطن فقط،

بل فراغُ الحياة من أي معنى،

فراغُ المدرسة التي أصبحت مأوى،

والمأوى الذي أصبح قبراً،

والقبر الذي أصبح بيتًا أخيرًا في زقاقٍ لا يزوره الضوء.


الطفلُ في غزة

يتعلّم الحساب لا ليجمعَ ألعابه،

بل ليعدّ كم قطعةَ خبزٍ تقاسمتها أسرته في ثلاثة أيام،

يتعلّم اللغة لا ليكتب رسالة حب،

بل ليقرأ تحذير الطائرات على منشورٍ يسقط من السماء

قبل أن تسقط السماء نفسها عليه.


في غزة،

ينامُ الجوعُ على الأسفلت،

وتمشي الأحلامُ بلا أرجل،

فالخبزُ هناك عصفورٌ بلا جناح،

يطيرُ فقط في مخيّلةِ الجائع.


الصمتُ في وجوهِ الأطفالِ

أشدُّ صخباً من كلِّ المآذن،

أعينهم سُرُجٌ مطفأةٌ تبحثُ عن جدرانٍ لا تقصف،

وألعابهم من طينٍ مبللٍ بالبكاء،

يبنون بها ما تبقّى من مدينةٍ

أكلت الحربُ قلبَها وبصقت رمادَه في البحر.


غزةُ اليوم

تأكلُ ظلّها،

تغلي الماء على نارِ الذكرى،

تغمسُ الخبزَ المتخيَّل في ملحِ الصبر،

تقصُّ على صغارها حكايةَ رغيفٍ

مرّ من هنا…

ثم اختفى في غارة.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مستقبل/بقلم الكاتبة /عايدة ناشد باسيلي.

أفُقُ العواقِب/بقلم الشاعر /نعمه العزاوي.

خذلان/بقلم الشاعرة /ناهد كمال.