شجرة الضوء/بقلم الشاعر/أحمد سعود عوض
شجرة الضوء
أحمد سعود عوض
حينَ يولدُ الفجرُ في عينيكِ،
لا تحتاجُ الشمسُ أن تشرقَ.
يكفي أن ينحني الأفقُ
لوَهجكِ العميق،
كي تبدأ الأرضُ من جديد.
من جفونكِ يسيلُ غيمُ الطفولة،
فيضًا من لعبٍ قديمٍ
يعلّمُ الطيورَ لغاتٍ لم تُكتشفْ،
ويعلّمنا أن البراءةَ
أقوى من التاريخ.
صباحُكِ ليس وقتًا،
بل بدءُ الخلودِ في نهرٍ يفيضُ،
مجرىً يفتحُ للغريبِ ملاذًا،
ويُغلقُ على التيهِ أبوابَه.
صباحُكِ شجرةٌ من ضوءٍ،
أوراقُها ندى يذيبُ الغيمَ،
وجذورُها مغروسةٌ في الغيب،
في تربةٍ من يقينٍ وحُلمٍ،
ومعجزةٍ لم يجرؤ الليلُ على محوها.
وصباحُكِ دفءٌ يتسلّلُ إلى العظام،
كأنَّ العتمةَ
لم تكن إلّا ستارًا رقيقًا
لفجرٍ خجولٍ
يتدلّى من عنقِ الليل.
وصباحُكِ جرحٌ ينهضُ من دمي،
يلبسُ جناحين،
ويطيرُ إلى سماءٍ لم تُسمَّ.
حينَ أطلُّ في مقلتيكِ،
أرى النهارَ وليدًا صغيرًا،
يبحثُ عن حضنٍ آمنٍ،
وأكتشفُ أنني بكِ
أوّلُ نورٍ يُصدّقُ نفسه.
صباحُكِ لغزٌ،
قصيدتُهُ أنا،
شاعرُهُ المأخوذُ بدهشةِ المطلق،
يمدُّ يديه إلى حافةِ الغياب،
فتذوبُ الحروفُ،
ويظلُّ البقاءُ صامتًا كالأبد.
صباحُكِ أنتِ...
وما بعدكِ صباحٌ،
فأنتِ البدءُ الذي لا يُعاد،
والزمانُ الذي يتفتّحُ
كغصنٍ من سرِّ الخليقة.
صباحُكِ ميتافيزيقا الفؤاد،
والمعنى الذي يتحدّى الغياب.
شجرةُ النورِ باقيةٌ،
تسقي صحراءَ الفقدِ
بمطرٍ من المعنى.
صباحُكِ يقينٌ وحيدٌ،
يُنقذُ هذا الوجودَ من فراغه،
ويمنحُ للعدمِ اسماً آخرَ: حياة،
ويزنُ الأرضَ بكفّين صغيرتين
أثقلَ من المجرّات جميعًا.
تعليقات
إرسال تعليق