في فجرٍ ليليٍّ/بقلم الكاتب/سيد حميد عطاالله.
في فجرٍ ليليٍّ
بقلم: سيد حميد عطاالله الجزائري
كأنها جرحٌ يُعيد فتح نفسه في كلِّ ذكرى.
أيُّ سؤالٍ أعمقُ من هذا: أهي أنانيةٌ أن نُعاتب، أم أن العتابَ آخر خيطٍ باقٍ من وصلٍ يئنُّ في صمتٍ طويل؟
كنتِ يومًا نجمةً تسطعُ في فضاء الروح، والآنِ بريقٌ خافتٌ يتلعثم بين شقوق العتمة. كنتِ شمسًا تنثر ذهبَها على أيامي، فإذا بي الآن لا أرى إلا غروبًا يبتلعُ آخر ما تبقّى من الضوء.
هذا الفجر ليلٌ آخر أكتبُ فيه قصائدَ يتيمةً لا تقرأها إلا جراحُ الذاكرة. حين أشدُّ متاعي للسفرِ وراءك، أقفُ عند قارعةِ سرابٍ صلدٍ كالصخر، والمذكرات التي حفظتها صارت مقابرَ أزورُها كلَّ صباحٍ وأقرأُ عليها فاتحةَ الوداع.
كم ارتوينا سويّةً من نهر العشق، حتى ظننتُ أن عطشي قد انتهى إلى الأبد؛ واليوم أجدني في صحراءٍ مترامية، أجرُّ خطواتي كأعمى يبحثُ عن قطرةٍ تُنقذه من الفناء.
كنتُ أكتبُ قصيدةً على شفاهكِ — قصيدةً لا تُكتبُ على الورق بل تُنشدُ باللمس والثغر والنظر. أما الآن فأنا سطرٌ يتيم، لا أحد يفكُّ حروفه، لا أحد يمنحه حياةً تُذكر. صار صوتي صمتًا، وصار شعوري حجرًا في وادٍ مهجور، حتى دموعي تحوّلتْ نقطةً ضائعةً تحت أحرفٍ ميتة.
أنا اليوم شاعرٌ منسي؛ ربما نسي القدر أن يدونَ اسمي في سجله الأصفر. لا أستطيع أن أعيد تدوير تلك اللحظات؛ لا أحولها إلى قصةٍ تَلتئم، ولا أَجعلُ منها ضمادًا يكفي لسقمِ القلب. قد يقرأني آخرون يومًا، لكنكِ قرأتِني بما يكفي.
أألومكِ أم ألومُ نفسي التي اعتقدت أن النجم يظلُّ مشتعلاً؟ العتابُ صار صلاةً باردةً، وأنتِ ظلٌّ بعيد. ومع ذلك، في صدري بقايا رجاءٍ: أن تلتفّي يومًا، وأن تسمعي صدى بكائي الذي لا يزول، لتقولي: لم يكن كلُّ شيءٍ سرابًا.
لكن إن لم تَأتِ، فليسَ ثمةَ خيبةٌ أعظمُ من أن يرحلَ المرءُ كما لو أن السماء لم تُسجِل اسمهُ في ذِكرى أحدٍ. فسأظلُّ — إن شئتِ — أنثرُ نجومًا صغيرةً في ليلِ منسي، لَعَلّ أحدها يَذكُرُني، ولعلّ قلبًا في مكانٍ ما يجدُ ظلًّا لطيفًا يبقى بعدي.
تعليقات
إرسال تعليق