أصدق من الحقيقة/بقلم الكاتبة/أم إبراهيم.

«أصدق من الحقيقة»

بعد أن مرّت فترة ليست بالقصيرة، كلّمها بشأن تحديد موعد الزواج، فقد طال زمن الخطوبة.
كانت في غفلة حين رنّ هاتفها، تبكي دون توقف، وحين سمعت ما قاله عن العقد والزفاف، مسحت دموعها بردائها الرثّ المبلل.

قامت ووقفت أمام المرآة، أفلتت الماسك من شعرها الذي لم تسرّحه منذ مدة، والسواد تحت عينيها كان يتحدث بصمتٍ أبلغ من الكلام.

رن الهاتف مرة أخرى، لكن هذه المرة لم يكن هو، فهو نادرًا ما يتصل لانشغاله الدائم.
كان المتصل المخرج الذي كانت متعاقدة معه، يخبرها أن وقت التصوير قد حان، وأن عليها الحضور فورًا.

تجهزت وركبت سيارتها، وغادرت نحو العمل، فقد أنساها الحماس وحبها للفن موعد زفافها الحقيقي.
وحين وصلت هناك، أخبرها المخرج أن المشهد سيكون لعروس تُزفّ اليوم إلى حبيبها العاشق الولهان.

بحماسٍ شديد، ارتدت فستان زفافٍ جميلًا مستعارًا من أجل ذلك المشهد، وسُرّح شعرها الطويل، ووُضعت المساحيق المناسبة على وجهها.
سارت نحو الكنيسة، وخلفها الوصيفات الجميلات، وإلى جانبها رجل يؤدي دور الأب، يمسح على ذراعيها بحنان.

وفي منتصف الطريق نحو الكاهن، صادفها العريس، فانحنى أمامها بحب، ثم وقف يمدّ إليها يده، بينما كانت نظراتها تشي بعاشقةٍ تترقب حلمًا طال انتظاره.
تقدمت نحوه ببطء، تحدّق فيه كأنّ ما يجري أمامها حقيقة، فقد كانت عيناه تلمعان شوقًا ولهفةً جعلتها تسرح بخيالٍ واسع، حتى ابتسمت ابتسامة صادقة...

لكن فجأة، رن هاتفها المخفي في جيب بنطالها الذي كانت ترتديه تحت الفستان.
ردّت لتسمع صوت خطيبها يصرخ غاضبًا بسبب تأخرها عن المجيء.

فزعت من صوته العالي، وعادت من غفلتها إلى حزنها المعهود، ثم صمتت لوهلة وقالت بثقةٍ هادئة:
"لقد انتهى المشهد، فما كان كذبًا... كان أصدق من الحقيقة."

بقلمي ام ابراهيم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحمك الله أبي/بقلم الشاعر/جمال الغوتي.

أنا ورحلة البحث/بقلم الكاتبة/هانم عطية الصيرفي.

أفكار غير متراصة/بقلم الشاعر/عبدالله علي ناصر البخيتي.