قصر الجحيم/بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.
كانت نائمة في فراشها بوجه شاحب وملامح باهتة، وتملأ الدموع وسادتها، ففراق والدها صعب أن يُحتمل. مر أسبوعان ولم تُفق بعد. كانت تفكر كيف ستعيش هي ووالدتها، فقد اقترب المال على النفاد.
نهضت من سريرها وتحركت خارج غرفتها لتجد والدتها تجلس على سجادة الصلاة وهي تدعو لزوجها وتبكي. جلست بالقرب منها تنتظرها حتى تنتهي. وبعد أن انتهت، قالت: "أمي، أريد أن أتحدث معكِ في أمر ما، وأتمنى أن تسمعيني وتفهميني".
ردت الأم بهدوء: "ما الأمر يا ابنتي؟"
قالت: "سأرتدي ملابسي وأخرج أبحث عن عمل لأوفر المال لنسد به حاجتنا".
نظرت إليها بألم لم تتخيل يومًا أن تصل بهم الظروف إلى هنا، كانت هي ووالدها يُدللانها، والآن انتهى كل هذا. ردت بحزن: "وكيف ستعملين بجانب دراستك؟ أنا لن أسمح لكِ بتحطيم مستقبلك".
نظرت إليها بابتسامة تخفي ألمها وتمتمت بحب: "لا تخافي يا أمي، سأتمكن من دراستي بجانب العمل، أعدكِ." ابتسمت الأم وقالت: "وفقكِ الله يا ابنتي، احترسي ولا تثقي بأحد." هزت رأسها بإيجاب ونهضت تجهز نفسها وخرجت. كانت تمشي في الطرقات وهي كالميتة لا تشعر بنفسها، فجسدها أصبح هزيلًا ومتعبًا.
وبعد دقائق اتصلت بها صديقة لها تُدعى هيام. أجابت: "أهلاً صديقتي، كيف حالكِ؟" ردت عليها: "بخير، أنتِ كيف حالكِ؟" قالت بحزن: "حالي دُفن ولن يعود." ردت هيام: "ماذا؟ مَن الذي دُفن؟" قالت: "والدي منذ أسبوعين." ردت هيام بحزن: "أنا لا أصدق! لم يصلني الخبر، البقاء لله. ربي يصبركِ حبيبتي. وأين أنتِ؟" ردت: "أبحث عن عمل." قالت هيام: "كيف ودراستكِ؟" ردت بحزن: "سأوفق بينهما، لكن أجده أولاً." قالت هيام: "أريد مقابلتكِ، أظن أنني وجدتُ العمل." ردت تالا بلهفة: "هل تمزحين؟" قالت: "لا طبعاً، فعمي أخبرني أن صديقاً له يبحث عن فتاة للعمل. عندما نتقابل سأخبركِ بكل التفاصيل." ردت بلهفة: "أنتظركِ!" وأخبرتها بمكانها.
بعد وقت من الزمن وصلت هيام إليها، ارتمت تالا بأحضانها كأنها تود أن تخبرها كم هي متعبة. ضمتها هيام إليها وربتت على ظهرها تواسيها: "كوني قوية يا عزيزتي، فكلنا راحلون. لا تجعلي اليأس حليفكِ، كوني أقوى من الظروف والقدر."
ردت تالا بحزن: "إنه أبي! هل تعلمين ما معنى (أبي)؟ هو حياتي، هو أنفاسي. لقد فَرَغَ الهواء من حولي بعد دفنه، أصبحت الأيام مُختلطة بالأحزان. لم أعد أنا، لقد رحل وأخذ معه قلبي وروحي، لكني أحاول الصمود من أجل أمي. أنا متعبة بدونه يا هيام، أريد أن أراه وأرتمي بين أحضانه وأشم رائحة عطره الطيبة." شعرت بدمعة ساخنة على وجنتيها فمسحتها بلطف وقالت: "انسي كل هذا، ما هو العمل؟ أخبريني."
ردت عليها: "وأنا على الطريق أجريت اتصالاً بعمي، فأخبرني أن صديقاً له يبحث عن فتاة تعمل في القصر الخاص بأحد أقاربه. فقلتُ: إنه لا يليق بكِ هذا العمل..."
ردت بملامح باهتة: "سأعمل أي شيء حتى أوفر المال، والعمل ليس عيباً. أرجوكِ اتصلي به وأخبريه متى سأذهب إلى العمل. أنا جاهزة في أي وقت."
انصاعت لها وأجرت مكالمتها. وعندما انتهت، قالت لها: "اذهبي إلى البيت وسأرسل له رقم هاتفك. سيتواصل معكِ ويرسل لكِ العنوان لتبدئي من صباح غد." شكرتها تالا مودعةً وقالت: "أراكِ لاحقاً."
ذهبت في طريقها وقلبها يُقْرَعُ كالطبول، كأنه يشعر بشيء. ولكن ما هو؟ ما الذي ينتظرها؟ هل ما زالت الأيام تُفاجئها أم ستكون رحيمة على قلبها الضعيف المتهالك؟
رواية "قصر الجحيم"
الحلقة الثانية"عندما يفرض القدر كلمته"
تعليقات
إرسال تعليق