دور الضحية/بقلم الكاتب/عبدالفتاح الطياري.

دور الضحية
في مكتبٍ ضيّق يطلّ على شارع العاصمة المزدحم، كان الوزير طارق يجلس أمام أوراقٍ متناثرة كأنها شظايا يومٍ طويل. شاشة الأخبار أمامه لا تكفّ عن بثّ العناوين: فشل، تقصير، غضب شعبي. بدا كأن المدينة كلّها تصوّب سهامها نحوه.

دخل مساعده بخطواتٍ مرتبكة، وقال بصوتٍ خافت:— سيدي… الهجوم يشتد. بعض المستشارين يقترحون بيانًا هجوميًا… أو الاستقالة.

رفع طارق رأسه ببطء، وابتسم ابتسامة يعرفها فقط من اعتاد العواصف:— الاستقالة ليست حلاً. الإنسان لا يصبح ضحية لأنّ الضغط انهال عليه، بل حين يختار أن يستسلم له. سنواجه… بالعقل، لا بالصراخ.

خرج إلى الشارع، إلى صخب الحياة الحقيقية. مشى بين الأزقة، جلس مع مواطنين غاضبين. سأل امرأة ترفع يدها باستياء:— ما الذي يزعجكم؟أجابته بحدة:— نشعر أننا منسيّون… كأن المدينة لها أصحابٌ غيرنا.

هزّ رأسه وقال بهدوء:— لا أعدكم بالكلام، بل بالفعل… الخطوات الصغيرة قبل الوعود الكبيرة.

عاد إلى مكتبه، جمع فريقه، وبدأ يلتقط الأخطاء كمن يلتقط الزجاج المكسور بحذر: مشروع يُصلَح، خدمة تُعاد للحياة، مبادرة تُطلق من رماد أخرى فشلت. كان الهجوم وقودًا للعمل، لا ذريعة للبكاء.

وفي مؤتمر صحفي، حاول أحد الصحفيين استفزازه:— سيدي، ألا ترى أن الهجمات المتواصلة جعلتك ضحية اللعبة السياسية؟ابتسم طارق ابتسامة قصيرة، وقال:— الضحية؟ من يختبئ خلف ضعفه. وأنا… ما زلت واقفًا.

ببطء، بدأ الناس يلاحظون: سياسيٌ لا يبكي على الشاشات، بل يعمل في الشوارع. لا يلوم خصومه، بل يُصلح ما يستطيع. حتى معارضوه صاروا يعترفون له بقدرة نادرة على الصمود دون أن يغرق في دور المظلوم.

وفي نهاية يومٍ طويل، جلس طارق على شرفته، ينظر إلى المدينة التي تلمع تحت أضواء المساء. الريح تمرّ على وجهه كما لو كانت تهمس له بشيء لا يسمعه أحدٌ غيره.

تمتم كأنه يكلم نفسه:— قوة الإنسان… ليست في المنصب، ولا في الحظ… بل في أن يسمع الناس، ويأبى أن يكون ضحية… مهما كانت اللعبة قاسية.

ثمّ حدّق بعيدًا في الأفق…وكأنّه كان ينتظر شيئًا ما.قرارًا؟عارضة ضوء؟أم عاصفة جديدة في الطريق؟

لم يُكمل تفكيره. ترك النهاية معلّقة بين أيدي أصحاب الحق...الشعب...… تمامًا كما تُترك مصائر الذين يرفضون دور الضحية، ويفضلون أن يصنعوا أدوارهم بأنفسهم.

بقلمي عبدالفتاح الطياري -تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحمك الله أبي/بقلم الشاعر/جمال الغوتي.

أنا ورحلة البحث/بقلم الكاتبة/هانم عطية الصيرفي.

أفكار غير متراصة/بقلم الشاعر/عبدالله علي ناصر البخيتي.