طباشير/بقلم الكاتب/سالم حسن غنيم .
طباشير
في مساءٍ هادئ من شتاء عام 2020،
كان سالم —ذلك الكاتب الذي يحمل في داخله بذرة إصلاح لم تجد تربة صلبة بعد— يجلس في غرفة صغيرة ببيته، يتأمل جدارًا أبيض كان يكتب عليه أفكاره بالطباشير منذ سنوات.
في ذلك اليوم، مرَّت أمامه جملة قرأها صدفة لستيف جوبز، جملة أشعلت شيئًا ما في صدره:
بمجرد أن تقتنع أن كل ما حولك من قواعد وقوانين قد وضعه أشخاص مثلك…
ليسوا أذكى منك…
عندها تستطيع تغيير العالم.
قرأها مرة… مرتين…
ثم وقف واقترب من الجدار.
كتبها أولًا بالطباشير، ثم أعاد كتابتها بقلم التخطيط.
قال لنفسه:
هذه ليست مجرد كلمات…
هذا مفتاح.
تراجع خطوة إلى الوراء، وراح يتأمل ما كتب. شعر لأول مرة أنه ليس صغيرًا كما كان يظن، وأن العالم ليس مساحة مغلقة لا مكان فيها إلا للعمالقة.
بل هو مساحة واسعة…
ينتظر فقط من يملك الجرأة على طرق الباب.
جلس سالم يتأمل الجملة، وبدأت تتدافع أمامه صور العظماء.
تذكّر محمدًا ﷺ، كيف خرج من قلب الصحراء ليغيّر وجه الأرض…
تذكّر غاندي وهو يمشي حافي القدمين، يهزم إمبراطورية بلا رصاصة…
تذكّر مانديلا الذي انتصر وهو خلف القضبان…
وتذكّر ماو تسي تونغ وهو يُعيد رسم الصين…
وهوشي منه وهو يصنع لفيتنام تاريخًا جديدًا…
قال سالم في نفسه:
كلهم بشر…
مثلنا…
فلماذا أُبقي رأسي بين الرؤوس، وأقول يا قطاع الرؤوس؟
لماذا أرضى بأن أكون رقمًا وطنيًا ينتقل من خانة الأحياء إلى خانة الأموات؟
كان يعرف أن كثيرين حوله يرددون العبارات التي تُطفئ الحلم:
هذه هي الحياة…
الواقع لا يتغير…
الموت مع الجماعة رحمة…
عبارات تشبه الثلج حين يُلقى فوق جمرة صغيرة.
لكن سالم شعر أن جمرة داخله تستحق أن تُحمى لا أن تُطفأ.
تذكّر حينها قول الله تعالى:
{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}
فعرف أن اللحظة التي يبدأ فيها التغيير… ليست حين يتغير العالم،
بل حين يتغير هو.
في تلك الليلة،
لم يكن سالم قد غيّر العالم بعد،
لكن شيئًا في داخله تغيّر.
لم يعد يكتب بالطباشير لأنه يخاف من الخطأ…
بل صار يكتب بقلم التخطيط لأنه قرر أن يمضي.
وهكذا بدأ رحلته…
رحلة من يؤمن بأن الإصلاح لا يحتاج إلى معجزة…
بل إلى قلبٍ يرفض أن يكون رقمًا عابرًا.
سالم حسن غنيم
تعليقات
إرسال تعليق