رحلة الجسد/بقلم الكاتب/مصطفى الصبان.

ـــــــــــ قصة قصيرة ــــــــــــــــــ

بعنوان ــــ رحلة الجسد ــــ

يتأمل السماء ، يذوب في أفكار المساء ، يحاول برموشه أن يزيح عن الفضاء ما تبقى من سحب يوم عصيب ، حتى لا تحرمه رؤية جمال حمرة الغروب ، يقفز من صخرة لأخرى ، يهتز قلبه و تزداد دقاته ، زفير و شهيق ، ثم يمتطي ظهر الصخرة الكبيرة التي تبلل نصفها السفلي ، و استسلمت في سكون لمداعبة الأمواج ، كما استسلم هو الآخر بعد قفز و نط ، ليحط أخيرا و يسرح في ملكوت اللحظة ، و ينسلخ من جسده ، و قبل أن يفعل ، سحب قدميه حتى لا تتبلل بلعب أمواج البحر ، ثم استقام و نسيم المساء ، و في خشوع آخر أولياء الحب ، غاب في شريط الأمس القريب ، و في فصوله و مشاهده و أحداثه ؛ كما لو كان يمارس طقوسا روحانية قديمة يسافر عبرها إلى الزمن الجميل الذي صار مفقودا .

و قبل أن يسافر نهار يتيم من حياته و يتبدد ، يعود ما بين مد وجزر ، يستيقظ من خيال فاق قدرته على الاحتمال ، يحاول أن يتجدد ، أن يعيش و ألوان المساء ؛ في صيف أروع ما فيه غروب الشمس حين تلامس صفحة الماء و تقبلها مبللة خيوطها ، و تغيب لتعود من جديد ناشفة و دافئة ، هو أيضا يريد أن يغيب مثلها ثم يعود ، كما ينام و يصبح ، كما الصباح و المساء .

ــ لماذا لا أكون مثل هذه الشمس ؟ إنها تشرق و تغيب ثم تعود .

هكذا يحدث نفسه كلما زار الصخرة الكبيرة ، و يحلم على صهوتها بما لا يحلم به غيره ، و يرى ما لا يراه غيره ، و يتنفس ما لا يتنفس غيره ، هو باختصار فارس بحمرة المساء يعبر الماء و الهواء ، و يمضي و أفكاره إلى أبعد نقطة خارج الكون .

يستعيد جسده المفقود في رحلة الروح ، يحاول أن ينقذه من نفسه و أحلامه و خياله ، قبل تلفه حمرة المساء في أكفانها ، و تغيب به نحو عالم لا يعلم عن ألوانه شيئا .

يتمتم بكلمات ، يخرج من جيب معطفه رسالة قديمة و ذابلة ، يحاول أن يستنشق بها هواء صار يابسا ، يقبلها بحرارة ، ثم يختم النظرة بدمعة حزينة ، تنساب من جحور عينيه ، فتمحو كل الحروف و الكلمات ، تسقط الرسالة ، تضيع في رحاب الهواء ، تذوب الرسالة و ماء البحر ، يستوي الدمع و ماء البحر ، و يسقط الجسد ، و تفيض الروح ، و يلتصق الجسد الهامد بالصخرة ، لتعود الشمس و يغيب الجسد الحزين .

بقلمي : مصطفى الصبان

البلد : المملكة المغربية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحمك الله أبي/بقلم الشاعر/جمال الغوتي.

أنا ورحلة البحث/بقلم الكاتبة/هانم عطية الصيرفي.

أفكار غير متراصة/بقلم الشاعر/عبدالله علي ناصر البخيتي.