لَمَعانٌ وَصَدَأ/بقلم الشاعر/سيد حميد عطاالله.

 لَمَعانٌ وَصَدَأ

بقلم: سَيِّد حَميد عَطَا الله الجَزائِري


فِي مِعصَمِها تَنامُ السّاعَةُ مُطمَئِنَّةً،

كَطِفلَةٍ مُدَلَّلَةٍ تَرفُلُ بِالعُطورِ وَاللَّمَعان،

تَتَدَلّى عَلَى جِلدِها النّاعِمِ كَما تَتَدَلّى نَجمَةٌ صَغيرَةٌ عَلَى سِتارَةِ لَيلٍ هادِئ.

لا تَعرِفُ التَّعَبَ، وَلا تُرهِقُها الأيّام.

تَتَوَهَّمُ أَنَّها قِطعَةٌ مِن عَرشٍ مَلَكِيّ،

مَصنوعَةٌ لِتُرَى لا لِتُستَعمَل،

كَأَنَّها مُجَوْهَراتٌ تَتَنَفَّس،

وَحينَ تَلمَحُها صاحِبَةُ الشَّأنِ بِعَينَيها الزُّرقاوَيْن،

يَتَحَوَّلُ المِيكَانِيكُ البارِدُ إِلى قَلبٍ نابِض،

فَتَغدو عَقارِبُها جَناحَيْنِ يَطِيرانِ بِرِفقٍ فِي فَضاءِ الأَناقَة.


لَكِن… فِي الضِّفَّةِ الأُخرَى مِنَ المِعصَمِ البَشَرِيّ،

هُناكَ ساعَةٌ رِجالِيَّةٌ تَختَنِقُ عَلَى يَدِ أَحَدِهِم،

كَأَنَّها أُفعى تَوَرَّطَت فِي صَيدِها،

لا تَملِكُ خِيارًا سِوى الاِلتِفافِ وَالشَّدِّ حَتّى آخِرَ رَمَق.

هِـيَ لَيسَت ساعَةً، بَل أَسِيرٌ مُقَيَّدٌ بِالسَّلاسِل،

جُندِيٌّ مَسحوقٌ فِي سَواتِرِ المُواجَهَة،

يَتَلَقَّى الضَّرَباتِ مِنَ الجُدرانِ وَالمَكاتِبِ وَالمَفاتيحِ وَالنُّقود،

يَتَصَبَّبُ عَرَقًا تَحتَ شَمسِ اليَدِ الثَّقيلَة،

وَيَتَحَمَّلُ صَفعًا وَخُدوشًا فِي الخاصِرَة،

كَأَنَّها مُحارِبٌ قَديمٌ نُفِيَ إِلى مِعصَمٍ قاسٍ بِلَا رَحمَة.


إِنَّها تَعيشُ عَلَى حافَّةِ الاِنهِيار:

زُجاجُها مَشرُوخ، لَونُها باهِت،

وَساعَتُها الرَّمليَّةُ الدّاخِلِيَّةُ تُمطِرُ بِالرَّهَق.

وَعِندَما يُحَدِّقُ بِها صاحِبُها لِيَرى الوَقت،

يَبدُو المَشهَدُ أَشبَهَ بِاستِجوابٍ قاسٍ،

كَأَنَّ مَلَكَ المَوتِ اِنحَنى فَوقَها لِيَقبِضَ رُوحَها،

فَتَتَوَقَّفُ عَقارِبُها لِبُرهَة،

كَأَنَّها تَهمِسُ: "أَعفِني، لَقَد قُتِلتُ مِرارًا."


هَكَذا، بَينَما تَنعَمُ ساعَةُ المَرأَةِ بِحَياةٍ مُخمَلِيَّة،

تُساقُ ساعَةُ الرَّجُلِ إِلى حَربٍ يَوميَّةٍ لا هَوادَةَ فِيها.

إِنَّها لَيسَت مُفارَقَةً فِي المَعدِنِ وَالزُّجاج،

بَل فِي الفَلسَفَةِ ذاتِها:

فَالزَّمَنُ عِندَ المَرأَةِ زِينَة،

وَعِندَ الرَّجُلِ مُحاكَمَةٌ لا تَنتَهي.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحمك الله أبي/بقلم الشاعر/جمال الغوتي.

أنا ورحلة البحث/بقلم الكاتبة/هانم عطية الصيرفي.

يوم الحساب فإما جزاءٌ أو عقاب/بقلم الكاتب /مايك سلمان.