كلمة لا تموت/بقلم الكاتب/سالم حسن غنيم.

كلمة لا تموت
كان العجوز بلال  يعمل خطّاطًا في أحد الأزقّة القديمة بمدينة عمّان، يقضي أيامه بين رائحة الحبر وصوت ريشته التي ترقص على الورق.
لم يكن غنيًّا، ولا مشهورًا، لكنّ الناس أحبّوه لأنه كان إذا كتب كلمةً، جعلها تنبض كأنها حيّة.

ذات مساءٍ ماطر، دخل إلى دكّانه شابّ يائس اسمه سامي، وجهه شاحب، وصوته مكسور.
قال له:
  أريد لوحة صغيرة، لكن لا أعرف ماذا أكتب عليها…
 كل شيء فقد معناه.

ابتسم الخطّاط، ومسح بيده على الورق الأبيض، وقال:
  أحيانًا لا نحتاج إلى كثير من الكلمات، بل إلى كلمة واحدة تُقال بصدق.
ثم كتب أمامه ببطءٍ شديد:

 اصبر، فالغيم لا يُقيم في السماء إلى الأبد.
نظر سامي إلى الكلمة، وكأنها لم تكن حبرًا، بل دفقة حياة.
قال بخفوت:
  غريب… 
كأنها تُكلّمني.
ردّ الخطّاط:
  لأنني كتبتها وأنا أؤمن بها.
 الكلمة الصادقة لا تُقال لتُعجب أحدًا،
 بل لتُنقذ روحًا من الانطفاء.

أخذ سامي اللوحة ومضى.
مرّت السنوات، نسي الخطّاط الأمر، حتى جاءه ذات صباح رجل أنيق يبتسم بعينين دامعتين.
قال:
  هل تذكرني؟ 
أنا سامي…
 كنت في يومٍ غارقًا في اليأس،
 وكلمتك أنقذتني.
ثم أخرج من جيبه صورة لعيادة حديثة كُتب على بابها:

  عيادة الغيم لا يدوم.
ابتسم الخطّاط العجوز، وأطرق رأسه قائلاً:
  سبحان من جعل الكلمة حياة.

قبل أن يغادر سامي، رأى على طاولة الشيخ ورقة قديمة كتب عليها بخطٍّ متعب:

 الكلمة الصادقة لا تموت، 
بل تهاجر من فمٍ إلى فم، 
ومن قلبٍ إلى قلب، 
حتى تبقى حيّة إلى الأبد.
ثم رفع الشيخ رأسه وقال:
  لا تبحث عن عدد من يسمعك، بل عن صدق ما تقول… 
فالكلمة إذا خرجت من القلب، 
وجدت طريقها إلى الخلود.
سالم حسن غنيم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رحمك الله أبي/بقلم الشاعر/جمال الغوتي.

أنا ورحلة البحث/بقلم الكاتبة/هانم عطية الصيرفي.

يوم الحساب فإما جزاءٌ أو عقاب/بقلم الكاتب /مايك سلمان.