فقط سأُصلي كي أهرب/بقلم الشاعرة/نجلاء علي حسن.
فقط سأُصلي كي أهرب
******
الموتُ يا أمي يلاحقنا،
ماعادَ لي حلمٌ أزرق..
لا وقت لديَّ لكي أحلم،
ماعاد الأقصى يناديني،
أن أدعو فيه لكي يُشرِق..
ماعادت باحةُ دارتنا،
تُزهِرُ زيتونًا أو زعترْ..
ما عاد هناك سوى الأسود،
قد مات هنا اللون الأخضر..
ماعدت أغني مع فيروز،
أغنيةً للقلبِ أقرب،
(لأجلكِ يا مدينةَ الصلاةِ أصلي)
فقط: سأصلي لكي أهرب،
من موتي لموتي..
ماتت أحلامي الخضراء،
صارت أيامي سوداء،
بلون ركام البيت الذي،
"قد كان لنا،
والقدس لنا،
سأدق على الأبواب،
من يفتح لي الأبواب؟"
القدس بلا أبوابٍ!
احترق الوطن يا أمي،
واحترقت كل الأبوابِ،
وكامل جدران مدينتنا..
"يا زهرة المدائن،
الكل الكل خائن"
وتركت الحلم بوطنٍ،
نعيشُ فيه بحُرية!
وتركت الحلم بأن يُغسلَ،
وجهي بمياه قدسية..
وبأن يمحو نهر الأردن،
آثار القدم الهمجية..
أدركت الآن بأن الوطن،
مجرد (أغنية)..
بل إن صلاتي سأتركها،
عمدًا عمدًا لن أتوضأ..
من أين الماء لأتوضأ؟
لايوجد ماء كي أشرب!
جسمي مغسولٌ بدمائي،
ودماء أخي وأختي الأقرب..
لايوجد شيخ كي أسأله عن الفتوى،
هل يمكن حقًا أن أتوضأ بدماءٍ،
للجسدِ المترب،
أم أتيمم بالأنقاضِ ببلدتنا؟
وبرغم إيماني الراسخ،
لن أسال أبدًا عن بشر،
كي يأتي يهب لنجدتنا،
بل ألجأ وفقط: للهِ،
لينقذنا من فوقِ سماه،
حتى لا يتمادى القهرُ،
لزعزعة عقيدتنا بالقولِ،
لو كنتم عند الله من الأخيار لأنقذكم!
ألسنا أخيارًا يا أمي؟
فلماذا يتركنا الله؟
هل صوت صراخ الأطفال
أو دعواهم لم تصعد،
لتدق على باب الإيمان؟
نحن في صيام من زمان،
نتوضأ أصلًا بالنيران!
والوطن لدينا هو الإيمان..
ونصلى وقوفًا أو نجري،
لا أجد مساجد بلدتنا،
لا أسمع أجراس كنائس،
وأنا مؤمنةٌ يا رب!
سأصلي فوق الردم المغسول،
بدماء من صلوا قبلي..
لا وقت لديَّ لكي أركع،
صارت عيناي معلقة ببقايا سمائي
لترى الصاروخ وأتساءل!
هل سوف يقتلني فورًا،
أم يقطع جزءًا من جسمي؟
قلمي محتارٌ يا أمي،
أين تُرى سيكتب اسمي ؟
قد كتب على كامل جسدي،
حتى تجدي بعضًا مني..
أصلًا: لن نجمع أشلاءً،
أو ندفن جثثًا بعد اليوم..
الردمُ كفيلٌ يدفننا،
الموتُ كفيلٌ يدفننا،
بدون صلاة، أودقةُ جرس لكنائس..
قد صار القبر يا أمي، وطني البائس!
مدفون فيه الموتى جنب الأحياءِ..
وحقيبة مدرستى أَنّت،
من كثرة حمل الأشلاءِ..
والبوصلة صارت كالمجنونةِ،
ما عدنا نعرف وجهتنا،
اختفت الوجهات الأربع،
وكل الوجهات الملعونةِ،
تُشير فقط لقبور الأرض،
أو غيم أسود بسمائي..
تشيرُ البوصلة أن نُدفَنَ،
أو نصعدُ بينَ الشهداءِ.
بقلم/ نجلاء علي حسن
الفراشة الزرقاء🦋
الإمارات العربية المتحدة
تعليقات
إرسال تعليق