العين التي تراقب/بقلم الكاتب/عبدالفتاح الطياري.
العين التي تراقب
كان "سامي" موظفًا بسيطًا في دائرة حكومية. يعمل بانتظام، لا يتأخر، لا يثير الانتباه، يختار كلماته بعناية، ويتفادى الحديث في السياسة كما يتفادى النار.
في أحد الأيام، وصل إلى مكتبه منشور مجهول المصدر، يتحدث عن الفساد في الإدارة العليا. لم يكن موقّعًا، لكنه كان دقيقًا ومثيرًا للقلق. قرأه سامي بفضول ثم أسرع ليمزقه ويلقيه في سلة المهملات.
في اليوم التالي، جاءه استدعاء إلى "مكتب المدير العام". ارتبك قلبه. لم يفعل شيئًا، لم يقل شيئًا. طرق الباب بيد مرتجفة. استقبله المدير بنظرة باردة وقال:
"وصلنا منشور مغرض... ونريد أن نعرف من الذي قرأه أو وزّعه هنا."
تجمد سامي. عقله يدور، فمه جاف. هل كاميرات المراقبة التقطته؟ هل راقبه أحد؟
قال بارتباك:
"أنا وجدته في طريقي ومزقته فورًا."
"حسنًا. راقب نفسك، فزمن الكلام انتهى."
خرج سامي من المكتب وعرق بارد يغمر ظهره. من يومها، لم يعد كما كان. صار يراقب كل كلمة يقولها، يخاف من الظلال، من الكاميرات، من الزملاء، من الورق الملقى على الأرض.
الخوف لم يكن من فعل، بل من احتمال أن يُفسَّر كل شيء كفعل. صار يتقن فن الاختفاء وهو حاضر، يتقن الصمت في الزحام، وأصبح يعيش كما يعيش كثيرون في بلده:
تحت عين لا تُرى، لكنها تُشعره دائمًا بأنه مراقَب، وأن الخطأ لا يُغفر.
تعليقات
إرسال تعليق