خسوف/بقلم الكاتب /ياسين خضر القيسي.

 خسوف


     حين امتطت الشمس صهوة الأفول تجاه مدن غابرة،

 عساكر النجوم أقبلت متلألئةً هادئةَ المسير كأنها تحطُ رحالها عند سماءٍ خاليةٍ من القمر.

عند المساءِ السقيمِ، وبين أزقةٍ ضيقةٍ خاليةٍ ، كانت نظراتي ثاقبةً أمام خطاي الوئيدة التي 

أحطها في زحمةِ الليلِ على أديمِ الأرضِ، خوفاً من التعثرِ والسقوطِ  أقفُ مرّة ومرّة أتلفت

يميناً وشمالاً أو خلفي، كنتُ أحس أن أحدهم يقتفي أثري، إلا أن العتمةَ المفاجئة في تلك اللحظة أخفت جسدي كله، مرّ بجانبي متلصصاً بعينين جاحظتين علّه يظفر بي، كتمت أنفاسي وأخذتُ الحيطةَ والحذرَ ملتصقاً بالحائطِ فارداً يدي للجدارِ ماسكاً به ، لم يرني 

ثيابي كانت مثل لوني الأسود، عندها سلك الطريق المؤدية لزقاقٍ آخر، اتخذت الاتجاه المعاكس له ، أسرعت الخطى هذه المرّة متخبطاً بصفائحِ النفاياتِ المبعثرةِ عند البيوتِ تارةً 

وبأعمدةِ الكهرباء المحنطةِ تارةً أخرى ، توقفتُ بما أصابني من ذعرٍ وتعبٍ جرّاء الهرولةِ وأنا أرنو إن عاد ورائي أم لا؟ ، لكن النظر الموغل والمتمعن في تلك الأزقة المطبق عليها ظلام دامس خانني ، فعاودتُ مرّةً أخرى أن أسترقَ السمعَ لوقعِ أقدامهِ هذه المرة ، إلا أنهُ توارى كما تواريتُ تماماً عن سمعهِ وبصرهِ، بعدها هممتُ وأنا أحجلُ من تخبطي بتلك الأشياء قاصداً البيت ، بدأتُ أحدثَ نفسي حول ذلك الذي أفزعني والذي أفزعني أكثر بتعقباتهِ الأخيرةِ ، وأنا أسيرُ في حلكةِ الليلِ العقيمِ وقبل أن ألجَ منعطفُ الزقاق المؤدي لبيتي فإذا بمتعقبٍ آخر كان يترصدني، كشفتهُ قبل أن يراني بفضل سراج جارنا المعلّق على قارعةِ الطريقِ بكلاّبٍ حديدي على ارتفاعِ بضعةِ أمتار، لملمتُ بعضي وبحركةٍ خفيفةٍ دون إحداثِ جلبةٍ عدتُ من  حيثُ أتيتُ، كنت أحمل الخبز والخضراوات لصغاري ، إلا أن  هؤلاء المقتفين كأنهم متفقون على إجاعة أولادي هذه الليلة، رفعتُ رأسي صوبَ السماء مدمدماً مع نفسي بما أعانيهِ من تعبٍ وجروحٍ بساقيّ بكلماتِ الرجاءِ على أملِ الرجوعِ لصبيتي، دون أن يلاقيني أحد من هؤلاءِ الملاعين ، ورغم كل التحوطاتِ منهم ودون درايةٍ وعلى غفلةٍ مني وإذا بسكينٍ تخترقُ جسدي الواهنَ وأخرى رقبتي، توالت الطعنات واللكمات والركلات ، عندها سقطتُ، لكن جل تفكيري كان بزغبي أينامون ليلتهم جياعاً يتامى؟  وأنا مضرّج بالدماءِ على درجةِ الأفولِ.

بقلم ياسين خضر القيسي



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من يكتب لي صدر/بقلم الشاعر /محمود حفظ الله.

عجائب الدنيا /بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.

كوكبة الشهداء/بقلم الكاتب /مايك سلمان.