سنوات الوهم/بقلم الكاتبة/هانم عطية الصيرفي.

*قصة قصيرة: سنوات الوهم*

الوهم هو مرض يصيب الإنسان،  وليس له أساس حقيقي ولا أدلة على وجوده ومع ذلك عاشت نجلاء تجربة وهم  قاسٍ، حيث انغمست في علاقة ضبابيةغير واضحة المعالم وخالية من أدلة ملموسة  أضاعت عليها سنوات من عمرها في حالة من  الاكتئاب، ولم يكن   يشعر به الرجل الذي كان غارقًا في أبحاثه ودراساته. بينما كانت هي تعيش في خيال زائف يحلم بزواج وأسرة مع هذا الأستاذ الذي كانت تراه فريدًا ومختلفًا عن باقي رجال العالم.

كانت الأستاذة نجلاء أمينة  المكتبة في جامعتنا. كنا نتردد على المكتبة لإجراء أبحاثنا، وكانت امرأة رقيقة تبدو  همساتها كهمسات الفراشات توجهنا إلى أماكن المراجع وتدلنا على المصادر المناسبة. هناك اعتدنا رؤية أساتذة الأدب الإنجليزي، الذين كانوا يقضون ساعات في القراءة، وكان  يزور المكتبة يوميًا. توهمنا نحن المراهقات أنه يأتي من أجل تلك الأميرة المتوجة بخصلات الشعر الأحمر والبشرة الشقراء، التي كانت تغازلها  أشعة الشمس وتلامس وجهها وتضفي عليه احمرارًا جذابًا ورقةً بالغةً كبراءة الأطفال.

كنا نتمنى أن يتزوجا، وكانت أمنياتنا لهما تتماشى مع طبيعتنا الغضة في تلك المرحلة العمرية. تخرجنا، ولكن لم يحدث أي شيء يدل على زواج. توصلنا بحاستنا الأنثوية إلى أن العلاقة كانت حبًا من طرف واحد، من طرف الأستاذة نجلاء . التي لم تتمكن من إخفاء مشاعرها، كان ذلك واضحًا في سلوكها واهتمامها بالأستاذ وأبحاثه. وبعد التخرج، كان لي الشرف في تعييني معيدة بالجامعة. كنت أحرص على زيارة المكتبة بشكل مستمر، وتكونت بيني وبين نجلاء صداقة وثيقة، ومع ذلك لم تفصح لي عن مشاعرها في هذا الشأن. 

لكنني لاحظت شغفها بتعلم اللغة الإنجليزية وقراءة الأدب الإنجليزي، حيث كانت تنتظر حتى ينتهي الأستاذ من قراءة أي كتاب لتقوم بقراءته وتدوين ملاحظات حوله، مما أثار فضولي. استنتجت أيضًا أن هناك مشاعر مكبوتة في قلب نجلاء. 

وفي النهاية، فتحت قلبها لي وأخبرتني بأنها تسعى لتطوير نفسها ثقافيًا لتقترب من حبيبها، دون أن تذكر اسمه، لكنني كنت أعلم من هو، بينما هو غارق في أبحاثه. 

لقد انغمست نجلاء في القراءة واهتمت بكتابة المقالات النقدية والقصص الأدبية والشعر، وتم نشر أعمالها في صحف ومجلات مرموقة. لكن فضولي كان يزداد، فقد لاحظت أنها لم تعد تركز على ما يقرأه الأستاذ، بل أصبحت لها اهتمامات جديدة ونجحت في ترك بصمتها في عالم الأدب والنقد. 

في يوم عطلتنا، ، وخلال استراحة لنا في أحد النوادي، لم أستطع مقاومة فضولي وسألتها عن حبها الذي تسعى للوصول إليه. فقلت لها 
: ماذا عن الحب الذي تسعين للوصول إليه؟ 
صمتت وكأنها تفكر، فقد نسيت ما قالته لي، نسيت سنوات ضائعة في ساحة الانتظار. سألت أي حب تقصدين؟ ضحكت بدهشة وقالت: أتصدقين، لقد نسيت فعلاً، كان مجرد وهم. أضعف روحي لفترة طويلة لأنه كان من طرفي فقط، و تعرضت فيه  لوجع نفسي هز كياني.

واليوم، اكتشفت أنه كان وهماً. كنت أبحث فيه عن ذاتي، عن نجلاء التي تريد شيئاً لم تستكشفه، شيئاً مكنوناً في أعماق ذاتي. لقد اكتشفت نجلاء ورغباتها المدفونة عندما كتبت أول مقال لي.التقيت بنجلاء التي كنت أبحث عنها في مراجع الأستاذ ومصادر معرفته، واستكشفت نفسي أكثر عندما وضعت لنفسي مساراً مختلفاً. في الحقيقة، كنت أبحث عن نجلاء.، وبعد لحظات من الصمت، قالت الشقراء الجميلة: ما كان هذا هو الحب، بل كان إعجاباً صنعت منه وهماً.
بقلم هانم عطية.
لله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عجائب الدنيا /بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.

مستقبل/بقلم الكاتبة /عايدة ناشد باسيلي.

بين مخالب اليأس/بقلم الشاعرة /حورية كداي قويدري.