حين تنطق الملامح/بقلم الكاتبة/هناء الشبراوي.

**حين تنطق الملامح **

في وجهك رواية طويلة، لم تُكتب بالكلمات بل بالسنين.
كل تجعيدة حول عينيك هي فصل من فصول الصبر، وكل ظلٍ خفيف على جبينك حكاية صامتة عن القلق، عن الانتظار، عن الليالي التي مرّت بلا نوم.

ملامحك ليست مجرد ترتيب جمالي...
هي سجلٌّ حيٌّ لكل لحظة صدق، لكل قرار صعب، لكل خسارة تعلمتَ منها، ولكل حبٍ مرّ كالعطر واختفى كالدخان.
الابتسامة التي تلوح حين لا شيء يدعو للضحك لم تولد من فراغ، بل من خيبات تجاوزتها، ومن قسوة العالم التي لم تكسرك، بل شكّلتك.

في عينيك بريقٌ ليس من الضوء، بل من الحكمة.
أنت لا تنظر إلى الناس، بل تقرأهم.
لأنك مررت كثيرًا، وسقطت ووقفت، وفهمت كيف يلبس الناس الأقنعة حتى يصدقوها.

ملامحك هي حصادك...
من نبتة الطفولة، إلى عواصف الشباب، إلى سكون النضج.
كل تفصيلة في وجهك تشهد أنك عشت، ولم تمرّ في الحياة كعابر سبيل.
بل نقشت اسمك، بدمعك وصبرك، على جدار الأيام.

وخير مثال على ذلك: شكل عينيك.

ولِمَ العينان تحديدًا؟
لأنهما مخزن الفرح والحزن. ففي بداية حياتك، تكون عيناك دائرية، يلفّها السكون والبراءة، بثقافة بسيطة عن الحياة، ترى فيها أن كل الناس أخيار.
لكن ما تلبث أن تتلقى بعض الصفعات... فتبدأ عيناك بالتغير، يلفّها الإرهاق، ويظهر فيها خوف من القادم.
ومع ذلك، لا تستطيع أن تتخذ إجراءات تجاه من آذاك، لأنك لا تملك القدرة الكاملة على المواجهة، خوفًا من ردة فعلهم، أو من خسارة ما تبقّى من سلام داخلي.

ثم تزداد الهموم... وتكثر الصفعات... وتتغيّر ملامح عينيك أكثر، تترهل نحو الأسفل، وتثقل بنظرات الخيبة.
عندئذ، تعقد العزم على التصدي لمن آذوك، وتقرر أخيرًا أن تبتعد.
تدرك أن قربك منهم كان أكثر من اللازم، وأنك لم تضع حدودًا واضحة... فاعتادوا على أذيتك.

وهنا، تبدأ الثورة...
تمتلك عيونًا كبركان ثائر بعد خمول سنوات، كعيون الأسد الفتي في عرينه.
فتستأسد.
يرتفع الرأس، وتبرق العينان بقوةٍ وعزيمة لم تمتلكها من قبل.
تمضي في طريقك، تزيل كل ما يؤذيك، وتوقف كل من تسوّل له نفسه التطاول عليك، في اللحظة ذاتها.

فأنتم... هل لاحظتم أثر الزمن على ملامحكم، وخصوصًا عيونكم؟
بقلم/ أ/هناء الشبراوي. فلسطين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عجائب الدنيا /بقلم الكاتبة/دينا مصطفى.

مستقبل/بقلم الكاتبة /عايدة ناشد باسيلي.

بين مخالب اليأس/بقلم الشاعرة /حورية كداي قويدري.